محمود ياسين
أين يذهب اليمني من كل هذا الموت؟
[ الاربعاء, 10 نوفمبر, 2021 ]
إنه أكثر منا وأوسع من المسافة وأضيق من عيشنا وأشظ رغبة في الحياة مما تحتمله حياتنا، وأكثرنهما ليقضمها من افواهنا كل ما خطرت لنا النجاة.
نحن الذي تناولته الضباع أثناء صلاة الغابة، ونحن الدب العالق يحتضر وحيدا وقد حاصرته الجذور.
نحن المنسيون من طرف الخبرة التي راكمها العالم ضد العنف والموت المجاني، نحن الموتى أثناء احتشاد كاميرات التسجيل والمراقبة ونحن من يلفظ أنفاسه في الميديا ويغادر العالم وآخر عين تلحظه هي عين كاميرا تلفونه.
كانت صورة طفلة فيتنامية أحرقتها قنبلة نابالم قد اجتاحت ضمير العالم وأوقفت الحرب، كاميرا واحدة لكل حرب ونحن نموت ورفقة كل قتيل منا كاميرا ورسالة تهديد وصورة أخيرة يحتضن القتيل قتيلا انجبه للتو.
نحن القتلى أثناء ما تحول الموت لحدث حي، وفي زمن اعتياد موت الفقراء بلا ضجة أو سبب.
نحن القتلى الطازجين في طرقات بلادنا ونحن القتلى المؤجلين على حواجز التفتيش، المرحلين من كل بلد والمرتحلين في تفاصيل خارطة موت كانت تفاصيلها على إحداثيات خطوط الطول والعرض خريطة لبلادهم، نحيا فقراء لبعض الوقت بشخصيتنا الدولية المعروفة، ونموت الآن دون ملامح، باذخين في المقابر وعلى قائمة العبوة والصاروخ وخنادق الأخوة الغرباء.
الأخوة وقد امتصوا ضراوة الموت من فرط تعبهم من الحياة الأخوة الضارين مقابل ضغينة بائسة أو حفنة نقود أو ملاسة تسرب صقيعها من بلاط قاتل متوج بكل عذاباتنا.
نحن اليمنيين، نموت كل مساء "سكتة في الضوء"، ضوء من يستكشفون حصيلة موتنا كل ليلة ليطمئنوا لسير المآل اللائق بشعب لم يعد لديه من مهمة غير أن يموت.
وكأنه لم يعد يجري علينا عرف إنساني أو قانون أممي أو ضمير أو حداثة أو تقدمية أو حتى نزعة بدائية،
يجري علينا فقط ما يجري على الحشرات الضارة.
يا الهي: باركنا، نحن الذين نولد كالذباب ونموت كالذباب.
مشاركة: