الرئيسية > أخبار اليمن
«لوفير»: الاستراتيجية الكارثية للإمارات والسعودية في اليمن
المهرة بوست - لوفير
[ الاربعاء, 18 يوليو, 2018 - 12:18 صباحاً ]
كان تدخل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المتعمق في اليمن تغليبا للتمني والأمل على الخبرة.
وقد بدأت حملة الرياض في اليمن عام 2015 للإطاحة بالمتمردين الحوثيين، الذين كانوا منتصرين آنذاك، والذين اعتبرهم القادة السعوديون مقربين جدا من إيران.
وبدلا من ثني رفاقهم في الرياض عن هذا المسار الخطير، تورطت الإمارات في هذا المستنقع أيضا، على أمل دحر جهود إيران.
وعلى عكس مصر، حيث شاركت الدولتان في انقلاب وضع الرئيس «عبدالفتاح السيسي» على رأس السلطة، كانت النتيجة كارثية، وليس هذا فقط بالنسبة لليمن، حيث يبدو أن الحرب والأزمة الإنسانية هناك تزداد سوءا يوما بعد يوم، ولكن أيضا بالنسبة للإمارات والسعودية نفسيهما، مع تعزيز إيران لنفوذها بشكل كبير.
نمط التدخل
وتدخلت السعودية بشكل دوري في اليمن منذ بداية الدولة السعودية الحديثة، ولقرون عديدة، سيطرت الإمامة الزيدية اليمنية على جزء مما يعرف الآن بإقليم «عسير» في السعودية، وخاضت الدولتان حربا حدودية عام 1934.
ويعد الزيديين من الشيعة، وأحفاد قادتهم يشكلون جوهر المعارضة الحوثية اليوم، واستمرت الاشتباكات الحدودية في أواخر التسعينات، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي يرسم الحدود إلا في عام 2000.
وإلى جانب الخلافات الإقليمية، خشيت المملكة العربية السعودية من وصول الفصيل الخاطئ إلى السلطة في صنعاء.
وفي عام 1962، عندما غرق اليمن في حرب أهلية بين الزيدية والفصائل القومية العربية من الجيش اليمني، تدخل السعوديون (بالإضافة إلى إيران والأردن) نيابة عن الزيديين، بينما تدخلت مصر لدعم القوميين العرب، معتمدة على الدعم السوفييتي.
وأدى التدخل إلى تأجيج الحرب، لكنه ترك القوى الخارجية منهكة، وفي عام 1970، وضع اتفاق تفاوضي القوميين العرب في موقع المسؤولية، لكن فصيل الزيديين حصل على عدة مناصب بارزة ونصيب من المحسوبية.
وفي عام 1990، اتحد الجنوب والشمال اليمني تحت قيادة رجل الشمال القوي «علي عبدالله صالح»، الذي أثبت براعته في التهرب من أعدائه الكثيرين، وتعزيز سلطته، أو كما سماها «الرقص على رؤوس الثعابين».
ومع ذلك بقي اليمن ضعيفا، ولم يندمج الجنوب أبدا بشكل كامل، وكانت البلاد فقيرة للغاية، مع الاستياء والغضب الذي وجه ضد «صالح».
وخلال هذه الأعوام، تدخلت السعودية من وقت لآخر، في محاولة لشراء قادة محليين، وتقييد المسلحين المرتبطين بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وإضعاف القوات الماركسية في الجنوب، وتقويض الحكومة في صنعاء عندما عارضت رغبات الرياض، وكانت السياسة والقادة اليمنيون دائما صداعا في رأس «آل سعود».
ولتغيير البلاد من القاعدة إلى القمة، شجعت الرياض على انتشار السلفية في اليمن، ومولت المساجد والوعاظ، في محاولة دفع تفسيرها المتشدد المعادي للشيعة من الإسلام للانتشار في اليمن.
ومع ذلك، في حين كسبت السعودية في بعض الأحيان قائدا معينا، بقي معظم اليمنيين قوميين بشراسة، وارتابوا في دور الرياض، ورغم أنهم كانوا سعداء بالحصول على المال السعودي، لكنهم غالبا ما تجنبوا موافقة طموحات الرياض.
واشتد عدم الاستقرار في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حيث شكل المتمردون الحوثيون، الذين يتركز وجودهم في منطقة «صعدة» مشكلة مزمنة، واستاء الحوثيون من سوء معاملتهم من قبل صنعاء وفقدانهم لرعاية الدولة.
ولأعوام عديدة، حاربوا لتلقي بعض غنائم الولاية، بدلا من الانفصال أو استبدال «صالح»، لكنهم أصبحوا أكثر راديكالية عندما أدركوا أن أعوام المفاوضات وثورة الربيع العربي لم تنجح في إعادة تشكيل هيكل السلطة في اليمن كما كانوا يأملون، إضافة إلى ذلك، أثارت رسالة السلفيين المريرة المعادية للشيعة غضب الحوثيين.
داخل الحوثيين
وبدأت الجولة الأخيرة من التدخل عام 2015 حيث امتد الربيع العربي إلى اليمن عام 2011، ما أجبر «صالح» على التنازل عن العرش لصالح نائبه، «عبدربه منصور هادي»، ومع استمرار العنف من قبل القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والشعور الانفصالي في الجنوب، ومحاولة «صالح» تقويض «هادي» واستعادة وضع عائلته، وانهيار الاقتصاد، وغيرها من الأمراض، ظلت حكومة «هادي» ضعيفة رغم النوايا الحسنة الدولية.
واستفاد المتمردون الحوثيون من الفوضى، واستولوا على صنعاء، وفي نهاية المطاف اليمن، في عامي 2014 و2015، وهرب «هادي» أولا إلى عدن في الجنوب، ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية.
وبالنسبة لـ«صالح»، دائم الانتهازية، فقد حشد القوات العسكرية التي ما زالت موالية له في تحالف مع الحوثيين، على الرغم من أنه حاربهم بشراسة عندما كان في السلطة.
وفي ذلك الوقت، كان لدى الحوثيين صلات محدودة، مع إيران ولكنها أثارت قلق الرياض وأبوظبي، حيث خشيا من صعود نفوذ الدولة الفارسية في اليمن، كما شاهدا ذلك في العراق ولبنان وسوريا من قبل.
وتمتد منطقة الحوثيين الأساسية أيضا إلى الحدود اليمنية مع السعودية، وهو ما تفسره الرياض كوجود إيراني على حدودها.
وتدخلت السعودية والإمارات لإعادة «هادي» إلى السلطة، وأعلن المسؤولون السعوديون أن التدخل سوف ينتهي خلال أسابيع، وانضمت كل من البحرين ومصر والأردن والكويت والمغرب والسودان إلى الشجار، إلى حد كبير بوازع الإحساس بالالتزام تجاه الإمارات والسعودية، وليس بسبب مخاوف حقيقية بشأن اليمن.
وفتحت جيبوتي وإريتريا والصومال مجالها الجوي ومرافقها للتحالف، وكانت قطر أيضا عضوا في الائتلاف بشكل رمزي حتى وقوع التوتر بين الدوحة والإمارات والسعودية، منتصف العام الماضي.
وبالإضافة إلى الدور السعودي والإماراتي العسكري، دفعت الإمارات بمرتزقة كولومبيين إلى ساحة المعركة، بينما قامت السعودية بتجنيد الآلاف من الجنود السودانيين.
كما تدعي الأمم المتحدة أن إريتريا نشرت قوات هناك، وتستخدم الإمارات مطار «أسمرة» في بعض عملياتها، ودعمت الولايات المتحدة بهدوء التدخل بمعلومات الاستخبارات وإعادة التزود بالوقود والذخيرة.
وفي البداية، بدا أن الحملة السعودية والإماراتية حققت تقدما، حيث ساعدت القوات الموالية لـ«هادي» على استعادة عدن، ومن ثم الجزء الأكبر من جنوب اليمن.
ودعمت الرياض مجموعة من القوات القبلية والعسكرية التي عملت مع حزب «الإصلاح»، أهم الأحزاب الإسلامية السنية في اليمن، والمنبثق عن جماعة «الإخوان المسلمون».
وتكره الإمارات «الإخوان» (وقد قوضت سلطة الجماعة في ليبيا ومصر وأماكن أخرى)، وتدعم الانفصاليين الجنوبيين والسلفيين الذين لا يثقون في «الإصلاح» ويرون الحوثيين مرتدين.
لكن التقدم تباطأ ثم توقف إلى حد كبير، مع محاولات القوات السعودية والإماراتية التحرك في مناطق أقرب إلى معقل الحوثيين.
وأثبتت الآمال السعودية في تحقيق نصر سريع، مثل معظم آمالهم في اليمن، أنها كانت وهما.
وبعد أكثر من ? أعوام، قامت الرياض بأكثر من 100 طلعة جوية، وأنفقت مليارات الدولارات شهريا على الحرب، وتمكنت الغارات الجوية من تدمير الكثير من البنية التحتية المتعثرة بالفعل في اليمن، وقتلت الآلاف من المدنيين، لكن الحوثيين استمروا في الوجود.
وفي هذه الأثناء، غالبا ما كانت الفصائل تنقلب على بعضها البعض، وقد حول «صالح» وجهته ووافق على العمل مع السعوديين عام 2017، لكن الحوثيين قتلوه قبل أن ينجح في هذا.
وتعمل بعض القوات التي كانت تحت قيادته، على الأقل، الآن مع الإمارات، لكن القوات المناهضة للحوثيين منقسمة.
وفي عدن، قاتلت القوات المدعومة من الإمارات المقاتلين الموالين لـ«هادي»، الذي تدعمه السعودية، على القواعد والمرافق، وأفادت التقارير أن قادة الإمارات يعتبرون «هادي» غير كفؤ، في حين أن السعوديين أكثر رغبة في العمل مع «الإصلاح»، وقد حاول «الإصلاح» أن ينأى بنفسه عن «الإخوان المسلمون» لإرضاء الإمارات والرياض، ولأسباب واضحة، تركز الرياض أكثر على أمن الحدود أكثر من الإمارات.
الإمارات تأخذ زمام المبادرة
وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية هي المتدخل التاريخي في اليمن، وكثيرا ما يوصف التحالف أنه «بقيادة السعودية»، لكن الإمارات تلعب اليوم دورا مهما وقياديا في كثير من الأحيان.
ويتم نشر أكثر من 1000 من القوات الإماراتية في جميع أنحاء اليمن، معظمهم في الجنوب، وتدرب الإمارات الآلاف من السكان المحليين، بما في ذلك العديد من الانفصاليين الجنوبيين الذين يحاولون اغتنام الفرصة وإنهاء هيمنة الشمال.
وتأخذ السعودية زمام المبادرة في الحملة الجوية، وتوفر تمويلا كبيرا، لكن ذلك لا يساوي وجود الإمارات على الأرض، وفي اليمن، تعتمد القوات الإماراتية على تجربة مكافحة التمرد التي اكتسبتها في القتال مع قوات «الناتو» في أفغانستان.
واليوم، تحاول القوات التي تقودها الإمارات إنجاز دفعة دراماتيكية، وإنهاء الجمود، من خلال الاستيلاء على ميناء «الحديدة»، وهو أهم ميناء للحوثيين، ويذهب من خلاله الطعام والإمدادات الأخرى إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
ويزعم السعوديون أن الأسلحة الإيرانية تتدفق أيضا عبر الميناء، وجمعت الإمارات ما يصل إلى 25 ألف مقاتل مدعومين بغطاء جوي ومركبات مدرعة ضد بضعة آلاف من الحوثيين، ومعظمهم مجندون جدد.
وتضم القوات التي تدعمها الإمارات مقاتلين قاتلوا في وقت ما حلفاء الإمارات، لأنهم كانوا مخلصين لـ«صالح»، والآن يتبعون ابن أخيه، الذي يعتقد أن الرياح تهب من أبوظبي والرياض.
وبالإضافة إلى ذلك، تدربت القوات الإماراتية بشكل أفضل مما كانت عليه في عام 2015. ومع ذلك، فإن ميدان القتال في المدينة يميل نحو المدافعين عنها بشدة، وربما علمت إيران وحزب الله الحوثيين كيفية استغلال هذه التضاريس.
علاوة على ذلك، ليس ميناء «الحديدة» هو المنفذ الوحيد المتاح للحوثيين، فالتهريب تقليد يمني طويل، وعلى هذا النحو، من المرجح أن يحصل الحوثيون على السلاح في أي حال، وبالإضافة إلى ذلك، فإن لديهم صواريخ باليستية زودتهم بها إيران تسمح لهم بمضايقة المملكة العربية السعودية.
ماذا بعد؟
ومن غير المحتمل أن يكون الفوز العسكري المباشر للتحالف أمرا محتملا، على الرغم من أن القوات المدعومة من الإمارات تتمتع بميزة هائلة في الأسلحة والأعداد والأموال، ما يجعل من المرجح الاستيلاء على «الحديدة» في نهاية المطاف.
ومع ذلك، سيواصل الحوثيون السيطرة على الاراضي بالقرب من معقلهم الرئيسي، حيث يعيش الكثير من سكان اليمن.
بالإضافة إلى ذلك، حتى لو خسروا صنعاء والمدن الكبرى الأخرى، فقد أثبتوا أنهم قادرون على شن حرب عصابات لا هوادة فيها، ومما يثبت ذلك، أنه لا يزال لديهم عشرات الآلاف من الرجال يحملون السلاح، وحتى إذا وضعنا الحوثيين جانبا، فليس من الواضح ما هو الحل السياسي الذي يرضي الائتلاف المتباين الذي شكلته الإمارات والسعودية.
وحتى مع تجاهل الكارثة في اليمن، فقد فشل التدخل السعودي والإماراتي وفق شروطهما الخاصة.
ويبدو البلدان غير قادرين على الفكاك من المستنقع اليمني، و«هادي» ليس في السلطة، وحلفاؤهم يقاتلون بعضهم البعض، والقاعدة أقوى من ذي قبل، واليمن أقل استقرارا من أي وقت مضى.
بالإضافة إلى ذلك، والأهم من وجهة نظر السعوديين والإماراتيين، فقد أصبحت إيران أقوى. وعلى الرغم من أن الحوثيين ليسوا دمى إيرانية، فإنهم يعملون مع إيران بدافع الضرورة، وقد نما تأثيرها نتيجة لذلك، والآن، لدى طهران حليف يمكنه تهديد السعودية والشحن البحري في البحر الأحمر.
ولقد أدت الحرب الأهلية إلى تفاقم الفقر المدقع في اليمن، ما دفع البلاد إلى الاقتراب من حافة الهاوية، وقد لقي نحو 10 آلاف شخص حتفهم في الحرب، ما يقرب من نصفهم من المدنيين. ومع ذلك، يتضاءل هذا العدد أمام عدد القتلى الذين يرافقون الحرب، مثل قتلى المرض والمجاعة.
وقد مات أكثر من 50 ألف طفل بسبب الجوع والمرض في عام 2017 فقط، ومئات الآلاف من الأطفال اليمنيين يعانون من سوء التغذية الحاد، وهناك 3 ملايين يمني نازح الآن، ووفقا للأمم المتحدة، فإن 75? من سكان اليمن، البالغ عددهم 22 مليون نسمة، يحتاجون إلى المساعدة، وأكثر من 11 مليون شخص يندرجون تحت فئة «الحاجة الماسة»، مع حملة تجويع تطارد الجميع.
علاوة على ذلك، عانت البلاد من أكبر تفش للكوليرا في العالم في العام الماضي، وفي بعض أنحاء البلاد، تقدم الإمارات بعض المساعدات الإنسانية، كما توفر السعودية دعما محدودا، ولكن ليس بما يكفي لتعويض الكارثة التي تواجه البلد بأكملها، ولقد تعثرت محاولات الأمم المتحدة المتكررة للتفاوض، واليوم أصبحت اليمن موطنا لأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وقد استفاد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من الفوضى، وفي وقت متأخر نوعا ما، بدأت الضربات الجوية السعودية والإماراتية بضرب قواعد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وحاولت القوى المتداخلة إقامة تحالف من القوات العسكرية والقبلية اليمنية، ونجحوا في إقصاء المجموعة من عدن والعديد من المناطق المهمة الأخرى، بما في ذلك ميناء «المكلا».
ومع ذلك، استمر «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، وهو يعمل مع القبائل، ويستفيد من غضب السكان المحليين من الأجانب والسلطة المركزية، وتفتقر السعودية والإمارات وحلفاؤهما للقوى القادرة على احتلال أجزاء كبيرة من اليمن، لضمان عدم تمتع «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية بالملاذ الآمن أو العودة إلى المناطق التي تم تطهيرها.
وهنا، تظهر السعودية والإمارات مزيجا من القسوة وانعدام الكفاءة في تلك الحرب وهو مزيج مدمر.
ولا بد من نهاية عاجلة لهذا التدخل تترك البلدان، ومن قبلهما اليمن، في حال أفضل.
وقد بدأت حملة الرياض في اليمن عام 2015 للإطاحة بالمتمردين الحوثيين، الذين كانوا منتصرين آنذاك، والذين اعتبرهم القادة السعوديون مقربين جدا من إيران.
وبدلا من ثني رفاقهم في الرياض عن هذا المسار الخطير، تورطت الإمارات في هذا المستنقع أيضا، على أمل دحر جهود إيران.
وعلى عكس مصر، حيث شاركت الدولتان في انقلاب وضع الرئيس «عبدالفتاح السيسي» على رأس السلطة، كانت النتيجة كارثية، وليس هذا فقط بالنسبة لليمن، حيث يبدو أن الحرب والأزمة الإنسانية هناك تزداد سوءا يوما بعد يوم، ولكن أيضا بالنسبة للإمارات والسعودية نفسيهما، مع تعزيز إيران لنفوذها بشكل كبير.
نمط التدخل
وتدخلت السعودية بشكل دوري في اليمن منذ بداية الدولة السعودية الحديثة، ولقرون عديدة، سيطرت الإمامة الزيدية اليمنية على جزء مما يعرف الآن بإقليم «عسير» في السعودية، وخاضت الدولتان حربا حدودية عام 1934.
ويعد الزيديين من الشيعة، وأحفاد قادتهم يشكلون جوهر المعارضة الحوثية اليوم، واستمرت الاشتباكات الحدودية في أواخر التسعينات، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي يرسم الحدود إلا في عام 2000.
وإلى جانب الخلافات الإقليمية، خشيت المملكة العربية السعودية من وصول الفصيل الخاطئ إلى السلطة في صنعاء.
وفي عام 1962، عندما غرق اليمن في حرب أهلية بين الزيدية والفصائل القومية العربية من الجيش اليمني، تدخل السعوديون (بالإضافة إلى إيران والأردن) نيابة عن الزيديين، بينما تدخلت مصر لدعم القوميين العرب، معتمدة على الدعم السوفييتي.
وأدى التدخل إلى تأجيج الحرب، لكنه ترك القوى الخارجية منهكة، وفي عام 1970، وضع اتفاق تفاوضي القوميين العرب في موقع المسؤولية، لكن فصيل الزيديين حصل على عدة مناصب بارزة ونصيب من المحسوبية.
وفي عام 1990، اتحد الجنوب والشمال اليمني تحت قيادة رجل الشمال القوي «علي عبدالله صالح»، الذي أثبت براعته في التهرب من أعدائه الكثيرين، وتعزيز سلطته، أو كما سماها «الرقص على رؤوس الثعابين».
ومع ذلك بقي اليمن ضعيفا، ولم يندمج الجنوب أبدا بشكل كامل، وكانت البلاد فقيرة للغاية، مع الاستياء والغضب الذي وجه ضد «صالح».
وخلال هذه الأعوام، تدخلت السعودية من وقت لآخر، في محاولة لشراء قادة محليين، وتقييد المسلحين المرتبطين بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وإضعاف القوات الماركسية في الجنوب، وتقويض الحكومة في صنعاء عندما عارضت رغبات الرياض، وكانت السياسة والقادة اليمنيون دائما صداعا في رأس «آل سعود».
ولتغيير البلاد من القاعدة إلى القمة، شجعت الرياض على انتشار السلفية في اليمن، ومولت المساجد والوعاظ، في محاولة دفع تفسيرها المتشدد المعادي للشيعة من الإسلام للانتشار في اليمن.
ومع ذلك، في حين كسبت السعودية في بعض الأحيان قائدا معينا، بقي معظم اليمنيين قوميين بشراسة، وارتابوا في دور الرياض، ورغم أنهم كانوا سعداء بالحصول على المال السعودي، لكنهم غالبا ما تجنبوا موافقة طموحات الرياض.
واشتد عدم الاستقرار في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حيث شكل المتمردون الحوثيون، الذين يتركز وجودهم في منطقة «صعدة» مشكلة مزمنة، واستاء الحوثيون من سوء معاملتهم من قبل صنعاء وفقدانهم لرعاية الدولة.
ولأعوام عديدة، حاربوا لتلقي بعض غنائم الولاية، بدلا من الانفصال أو استبدال «صالح»، لكنهم أصبحوا أكثر راديكالية عندما أدركوا أن أعوام المفاوضات وثورة الربيع العربي لم تنجح في إعادة تشكيل هيكل السلطة في اليمن كما كانوا يأملون، إضافة إلى ذلك، أثارت رسالة السلفيين المريرة المعادية للشيعة غضب الحوثيين.
داخل الحوثيين
وبدأت الجولة الأخيرة من التدخل عام 2015 حيث امتد الربيع العربي إلى اليمن عام 2011، ما أجبر «صالح» على التنازل عن العرش لصالح نائبه، «عبدربه منصور هادي»، ومع استمرار العنف من قبل القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والشعور الانفصالي في الجنوب، ومحاولة «صالح» تقويض «هادي» واستعادة وضع عائلته، وانهيار الاقتصاد، وغيرها من الأمراض، ظلت حكومة «هادي» ضعيفة رغم النوايا الحسنة الدولية.
واستفاد المتمردون الحوثيون من الفوضى، واستولوا على صنعاء، وفي نهاية المطاف اليمن، في عامي 2014 و2015، وهرب «هادي» أولا إلى عدن في الجنوب، ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية.
وبالنسبة لـ«صالح»، دائم الانتهازية، فقد حشد القوات العسكرية التي ما زالت موالية له في تحالف مع الحوثيين، على الرغم من أنه حاربهم بشراسة عندما كان في السلطة.
وفي ذلك الوقت، كان لدى الحوثيين صلات محدودة، مع إيران ولكنها أثارت قلق الرياض وأبوظبي، حيث خشيا من صعود نفوذ الدولة الفارسية في اليمن، كما شاهدا ذلك في العراق ولبنان وسوريا من قبل.
وتمتد منطقة الحوثيين الأساسية أيضا إلى الحدود اليمنية مع السعودية، وهو ما تفسره الرياض كوجود إيراني على حدودها.
وتدخلت السعودية والإمارات لإعادة «هادي» إلى السلطة، وأعلن المسؤولون السعوديون أن التدخل سوف ينتهي خلال أسابيع، وانضمت كل من البحرين ومصر والأردن والكويت والمغرب والسودان إلى الشجار، إلى حد كبير بوازع الإحساس بالالتزام تجاه الإمارات والسعودية، وليس بسبب مخاوف حقيقية بشأن اليمن.
وفتحت جيبوتي وإريتريا والصومال مجالها الجوي ومرافقها للتحالف، وكانت قطر أيضا عضوا في الائتلاف بشكل رمزي حتى وقوع التوتر بين الدوحة والإمارات والسعودية، منتصف العام الماضي.
وبالإضافة إلى الدور السعودي والإماراتي العسكري، دفعت الإمارات بمرتزقة كولومبيين إلى ساحة المعركة، بينما قامت السعودية بتجنيد الآلاف من الجنود السودانيين.
كما تدعي الأمم المتحدة أن إريتريا نشرت قوات هناك، وتستخدم الإمارات مطار «أسمرة» في بعض عملياتها، ودعمت الولايات المتحدة بهدوء التدخل بمعلومات الاستخبارات وإعادة التزود بالوقود والذخيرة.
وفي البداية، بدا أن الحملة السعودية والإماراتية حققت تقدما، حيث ساعدت القوات الموالية لـ«هادي» على استعادة عدن، ومن ثم الجزء الأكبر من جنوب اليمن.
ودعمت الرياض مجموعة من القوات القبلية والعسكرية التي عملت مع حزب «الإصلاح»، أهم الأحزاب الإسلامية السنية في اليمن، والمنبثق عن جماعة «الإخوان المسلمون».
وتكره الإمارات «الإخوان» (وقد قوضت سلطة الجماعة في ليبيا ومصر وأماكن أخرى)، وتدعم الانفصاليين الجنوبيين والسلفيين الذين لا يثقون في «الإصلاح» ويرون الحوثيين مرتدين.
لكن التقدم تباطأ ثم توقف إلى حد كبير، مع محاولات القوات السعودية والإماراتية التحرك في مناطق أقرب إلى معقل الحوثيين.
وأثبتت الآمال السعودية في تحقيق نصر سريع، مثل معظم آمالهم في اليمن، أنها كانت وهما.
وبعد أكثر من ? أعوام، قامت الرياض بأكثر من 100 طلعة جوية، وأنفقت مليارات الدولارات شهريا على الحرب، وتمكنت الغارات الجوية من تدمير الكثير من البنية التحتية المتعثرة بالفعل في اليمن، وقتلت الآلاف من المدنيين، لكن الحوثيين استمروا في الوجود.
وفي هذه الأثناء، غالبا ما كانت الفصائل تنقلب على بعضها البعض، وقد حول «صالح» وجهته ووافق على العمل مع السعوديين عام 2017، لكن الحوثيين قتلوه قبل أن ينجح في هذا.
وتعمل بعض القوات التي كانت تحت قيادته، على الأقل، الآن مع الإمارات، لكن القوات المناهضة للحوثيين منقسمة.
وفي عدن، قاتلت القوات المدعومة من الإمارات المقاتلين الموالين لـ«هادي»، الذي تدعمه السعودية، على القواعد والمرافق، وأفادت التقارير أن قادة الإمارات يعتبرون «هادي» غير كفؤ، في حين أن السعوديين أكثر رغبة في العمل مع «الإصلاح»، وقد حاول «الإصلاح» أن ينأى بنفسه عن «الإخوان المسلمون» لإرضاء الإمارات والرياض، ولأسباب واضحة، تركز الرياض أكثر على أمن الحدود أكثر من الإمارات.
الإمارات تأخذ زمام المبادرة
وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية هي المتدخل التاريخي في اليمن، وكثيرا ما يوصف التحالف أنه «بقيادة السعودية»، لكن الإمارات تلعب اليوم دورا مهما وقياديا في كثير من الأحيان.
ويتم نشر أكثر من 1000 من القوات الإماراتية في جميع أنحاء اليمن، معظمهم في الجنوب، وتدرب الإمارات الآلاف من السكان المحليين، بما في ذلك العديد من الانفصاليين الجنوبيين الذين يحاولون اغتنام الفرصة وإنهاء هيمنة الشمال.
وتأخذ السعودية زمام المبادرة في الحملة الجوية، وتوفر تمويلا كبيرا، لكن ذلك لا يساوي وجود الإمارات على الأرض، وفي اليمن، تعتمد القوات الإماراتية على تجربة مكافحة التمرد التي اكتسبتها في القتال مع قوات «الناتو» في أفغانستان.
واليوم، تحاول القوات التي تقودها الإمارات إنجاز دفعة دراماتيكية، وإنهاء الجمود، من خلال الاستيلاء على ميناء «الحديدة»، وهو أهم ميناء للحوثيين، ويذهب من خلاله الطعام والإمدادات الأخرى إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
ويزعم السعوديون أن الأسلحة الإيرانية تتدفق أيضا عبر الميناء، وجمعت الإمارات ما يصل إلى 25 ألف مقاتل مدعومين بغطاء جوي ومركبات مدرعة ضد بضعة آلاف من الحوثيين، ومعظمهم مجندون جدد.
وتضم القوات التي تدعمها الإمارات مقاتلين قاتلوا في وقت ما حلفاء الإمارات، لأنهم كانوا مخلصين لـ«صالح»، والآن يتبعون ابن أخيه، الذي يعتقد أن الرياح تهب من أبوظبي والرياض.
وبالإضافة إلى ذلك، تدربت القوات الإماراتية بشكل أفضل مما كانت عليه في عام 2015. ومع ذلك، فإن ميدان القتال في المدينة يميل نحو المدافعين عنها بشدة، وربما علمت إيران وحزب الله الحوثيين كيفية استغلال هذه التضاريس.
علاوة على ذلك، ليس ميناء «الحديدة» هو المنفذ الوحيد المتاح للحوثيين، فالتهريب تقليد يمني طويل، وعلى هذا النحو، من المرجح أن يحصل الحوثيون على السلاح في أي حال، وبالإضافة إلى ذلك، فإن لديهم صواريخ باليستية زودتهم بها إيران تسمح لهم بمضايقة المملكة العربية السعودية.
ماذا بعد؟
ومن غير المحتمل أن يكون الفوز العسكري المباشر للتحالف أمرا محتملا، على الرغم من أن القوات المدعومة من الإمارات تتمتع بميزة هائلة في الأسلحة والأعداد والأموال، ما يجعل من المرجح الاستيلاء على «الحديدة» في نهاية المطاف.
ومع ذلك، سيواصل الحوثيون السيطرة على الاراضي بالقرب من معقلهم الرئيسي، حيث يعيش الكثير من سكان اليمن.
بالإضافة إلى ذلك، حتى لو خسروا صنعاء والمدن الكبرى الأخرى، فقد أثبتوا أنهم قادرون على شن حرب عصابات لا هوادة فيها، ومما يثبت ذلك، أنه لا يزال لديهم عشرات الآلاف من الرجال يحملون السلاح، وحتى إذا وضعنا الحوثيين جانبا، فليس من الواضح ما هو الحل السياسي الذي يرضي الائتلاف المتباين الذي شكلته الإمارات والسعودية.
وحتى مع تجاهل الكارثة في اليمن، فقد فشل التدخل السعودي والإماراتي وفق شروطهما الخاصة.
ويبدو البلدان غير قادرين على الفكاك من المستنقع اليمني، و«هادي» ليس في السلطة، وحلفاؤهم يقاتلون بعضهم البعض، والقاعدة أقوى من ذي قبل، واليمن أقل استقرارا من أي وقت مضى.
بالإضافة إلى ذلك، والأهم من وجهة نظر السعوديين والإماراتيين، فقد أصبحت إيران أقوى. وعلى الرغم من أن الحوثيين ليسوا دمى إيرانية، فإنهم يعملون مع إيران بدافع الضرورة، وقد نما تأثيرها نتيجة لذلك، والآن، لدى طهران حليف يمكنه تهديد السعودية والشحن البحري في البحر الأحمر.
ولقد أدت الحرب الأهلية إلى تفاقم الفقر المدقع في اليمن، ما دفع البلاد إلى الاقتراب من حافة الهاوية، وقد لقي نحو 10 آلاف شخص حتفهم في الحرب، ما يقرب من نصفهم من المدنيين. ومع ذلك، يتضاءل هذا العدد أمام عدد القتلى الذين يرافقون الحرب، مثل قتلى المرض والمجاعة.
وقد مات أكثر من 50 ألف طفل بسبب الجوع والمرض في عام 2017 فقط، ومئات الآلاف من الأطفال اليمنيين يعانون من سوء التغذية الحاد، وهناك 3 ملايين يمني نازح الآن، ووفقا للأمم المتحدة، فإن 75? من سكان اليمن، البالغ عددهم 22 مليون نسمة، يحتاجون إلى المساعدة، وأكثر من 11 مليون شخص يندرجون تحت فئة «الحاجة الماسة»، مع حملة تجويع تطارد الجميع.
علاوة على ذلك، عانت البلاد من أكبر تفش للكوليرا في العالم في العام الماضي، وفي بعض أنحاء البلاد، تقدم الإمارات بعض المساعدات الإنسانية، كما توفر السعودية دعما محدودا، ولكن ليس بما يكفي لتعويض الكارثة التي تواجه البلد بأكملها، ولقد تعثرت محاولات الأمم المتحدة المتكررة للتفاوض، واليوم أصبحت اليمن موطنا لأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وقد استفاد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من الفوضى، وفي وقت متأخر نوعا ما، بدأت الضربات الجوية السعودية والإماراتية بضرب قواعد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وحاولت القوى المتداخلة إقامة تحالف من القوات العسكرية والقبلية اليمنية، ونجحوا في إقصاء المجموعة من عدن والعديد من المناطق المهمة الأخرى، بما في ذلك ميناء «المكلا».
ومع ذلك، استمر «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، وهو يعمل مع القبائل، ويستفيد من غضب السكان المحليين من الأجانب والسلطة المركزية، وتفتقر السعودية والإمارات وحلفاؤهما للقوى القادرة على احتلال أجزاء كبيرة من اليمن، لضمان عدم تمتع «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية بالملاذ الآمن أو العودة إلى المناطق التي تم تطهيرها.
وهنا، تظهر السعودية والإمارات مزيجا من القسوة وانعدام الكفاءة في تلك الحرب وهو مزيج مدمر.
ولا بد من نهاية عاجلة لهذا التدخل تترك البلدان، ومن قبلهما اليمن، في حال أفضل.
مشاركة الخبر: