الرئيسية > ترجمات
لهذه الأسباب يخشى قادة العرب منظمات المجتمع المدني
المهرة بوست - وكالات
[ السبت, 09 يونيو, 2018 - 07:58 مساءً ]
فنّد الكاتب ستيفن كوك الأسباب التي دفعت قادة العرب للخوف من منظمات المجتمع المدني والتضييق عليهم، لافتا إلى أن السبب الرئيسي هو ما تملكه منظمات المجتمع المدني من الإمكانية على مساعدة الناس ذوي الهدف المشترك من أجل تجاوز العقبات الجماعية الكبيرة التي وضعتها حكومات الشرق الأوسط، وتمنح من خلال هذا صوتا لمظالم الناس”.
ونشرت مجلة «فورين بوليسي» مقالا للكاتب ستيفن كوك، تحت عنوان «السبب الحقيقي لكراهية الشرق الأوسط للمنظمات غير الحكومية»، يبدؤه بالإشارة إلى زيارة وفد عسكري مصري إلى واشنطن بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك.
ويقول كوك في مقاله، الذي ترجمته «عربي 21»، إن الوفد أكد في لقاءاته العامة والخاصة وفي كل المناسبات حول المدينة، بما فيها مكتب الدفاع المصري ومعهد السلام الأمريكي، أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية «يحضر البلاد للديمقراطية».
ويعلق الباحث قائلا: «لم يكن هذا صحيحا، وبدا هذا من رد الوفد على أسئلة تتعلق بالقيود المرهقة، التي فرضت على المنظمات غير الحكومية، خاصة تلك التي تحصل على تمويل أجنبي لمواصلة أعمالها، وابتعدت في التصريحات اللغة البناءة والصديقة عن (مصر الجديدة) لصالح (مصر القديمة)، وعندما ضغط عليهم أظهر الضباط غضبا واحمرت وجوههم، وعلى ما يبدو لم يكن (التحضير) لسياسات أكثر عدلا وانفتاحا يشمل على منظمات حقوق الإنسان والحكم الرشيد والمدافعين عن البيئة والجمعيات الخاصة، التي تقدم الدعم للمحتاجين، ولا المنظمات غير الحكومية».
ويقول كوك إن «قصة الضباط المصريين تحمل الكثير من الدلالات؛ ليس لأنها استثنائية، لكنها جزء من أشكال أخرى شاهدناها في المنطقة، ومنها الاعتقالات الأخيرة التي تمت في السعودية الشهر الماضي لحوالي 17 من الناشطين، وكان واحد منهم جزءا من مؤسسة غير حكومية أنشأها عام 2009، وحلت في عام 2013، أما البقية فكن يحاولن إنشاء منظمة غير حكومية لمساعدة ضحايا العنف المنزلي، ووصفهن الإعلام السعودي بالخائنات، وفي مصر اعتبر العاملون في المنظمات غير الحكومية أعداء مفترضين للدولة، وفي تونس، التي حافظت على سمعتها بصفتها مهد ثورات الربيع العربي، خلقت بيئة مرحبة بعمل المنظمات غير الحكومية، لكن حتى في هذا البلد فإن قدرة هذه المنظمات على القيام بعملها تواجه محدودية في ظل قوانين الطوارئ والقوانين الأخرى المتعلقة بحق التجمع».
ويجد الكاتب أن «هذا كله يثير سؤالا مهما عن السبب الذي يجعل قادة الشرق الأوسط يكرهون المنظمات غير الحكومية، والجواب على هذا السؤال أصعب مما يعتقد الغربيون، فالمنظمات غير الحكومية هي جزء مما يطلق عليه العلماء الاجتماعيون (المجتمع المدني)، وفي الوقت الذي لا يوجد فيه تعريف واضح حول المجتمع المدني، إلا أن المنظر الراحل في قضايا التحول الديمقراطي ألفريد ستيفن وزميله خوان لينز، قدما أفضل وصف، حيث عرفاه بأنه (المنطقة من السياسة التي تحاول فيها الجماعات التي تنظم نفسها والأفراد المستقلون نسبيا عن الدولة توضيح قيم وخلق صلات وتضامن، والدفاع عن مصالح)، والتعريف ذاته هو بمثابة دعوة للضغط المستمر من حكومات الشرق الأوسط التي طالما مارست ضغوطا على المنظمات غير الحكومية، فقادة المنطقة لا تعجبهم أفكار (حكم النفس) و(مستقل نسبيا عن الدولة) و(خلق صلات وتضامن)، ودون تبرير للقمع فالسبب واضح، فلدى منظمات المجتمع المدني الإمكانية على مساعدة الناس ذوي الهدف المشترك من أجل تجاوز العقبات الجماعية الكبيرة التي وضعتها حكومات الشرق الأوسط، وتمنح من خلال هذا صوتا لمظالم الناس».
ويؤكد كوك أن «المنظمات غير الحكومية ليست كلها معارضة للدولة، وعندما تكون في المعارضة فإنها تخدم عادة مصالح القادة، ففي بداية التسعينيات من القرن الماضي وقفت منظمات مكرسة لقضايا المرأة مع الجيش الجزائري عندما ألغى انتخابات فاز بها حزب إسلامي، وهي جبهة الإنقاذ الوطني، بالإضافة إلى أن منظمات المجتمع المدني كانت جزءا من الغضب ضد الرئيس محمد مرسي، التي ساعدت وزير الدفاع في حينه عبد الفتاح السيسي على الإطاحة به وبالإخوان المسلمين في انقلاب عسكري عام 2013، وهناك طريق عام قام المسؤولون في المنطقة من خلاله بالتظاهر بوجود عدد كبير من المنظمات غير الحكومية (مع أنهم كانوا يقومون بقمعها)؛ من أجل حرف النقد من الخارج، وغرس فكرة الإصلاح بين المواطنين، ومن الصعب تصديق هذا الكلام، ولم تنجح جهودهم، ولهذا السبب تقوم حكومات الشرق الأوسط بقمع هذه الجماعات».
ويشير الباحث إلى أنه «في مقال نشرته مجلة (فورين بوليسي) فكك كل من رونالد أر كيربس وجيمس رون، وبفصاحة، الشرح الذي تقدمه الحكومات غير الديمقراطية لمعارضتها المنظمات غير الحكومية، لكنهما تجاهلا مجموعة من الأفكار التي تؤطر الجدل، على الأقل في العالم العربي، بشأن المنظمات غير الحكومية، ولهذا السبب لم ينتبها إلى الفجوة غير القابلة للردم بين الغربيين وقادة الشرق الأوسط بشأن المجتمع المدني، فمن الخطأ التوصل إلى أن الديكتاتورية الضيفة التي تخدم النفس هي السبب وراء حالة البلطجة التي تمارس ضد المنظمات غير الحكومية في الشرق الأوسط، فملاحقة هذه الجماعات، بما فيها العاملة في إسرائيل، تبدو غير متناسبة مع الدليل الذي يقول إنها قد تؤدي إلى إحداث تغيير في المنطقة».
ويقول كوك: «بلا شك، فإن هناك منظمات غير حكومية ساعدت المحتاجين في الشرق الأوسط، لكن المنظمات المكرسة للحكم وحقوق الإنسان لم تترك ذلك الأثر المنشود».
ويتساءل الكاتب: «لماذا يعامل قادة الشرق الأوسط، ممن يقودون الدبابات والطائرات والصواريخ، العرب الذين يدافعون عن حرية التجمع على أنهم مشكلة؟ والتهديد ليس نابعا من تخفيف القبضة الديكتاتورية على السلطة، لكنه شيء أكثر من كونه مجردا: الحس الهش في الشرق الأوسط بالهوية والسيادة».
ويبين كوك أن «القادة العرب ينظرون للمنظمات غير الحكومية، خاصة التي تحصل على تمويل أجنبي، على أنها عميلة للمشروع الاستعماري الجديد، والنفاق في معارضة هذه الحكومات واضح من كونها ذاتها تحصل على كميات كبيرة من الدعم الأجنبي، أو تعتمد على الغرب في أمنها».
ويجد الباحث أن «الحقيقة هي أن تاريخ المنطقة والسرد القومي، الذي تطور ونما خلال القرن العشرين، يجعل من منظمات المجتمع المدني هدفا طبيعيا للأنظمة الديكتاتورية، التي تقوم بتصوير الداعين لحقوق الإنسان والحكم الرشيد الذين تمولهم منظمات أجنبية بأنهم آخر مظهر من مهمة التنوير التي جلبت أصلا الاستعماريين الجدد إلى شمال أفريقيا والمشرق، مع أنه لا الناشطين أو مموليهم ينظرون للأمر بهذه الطريقة، وفي مركز مخاوف قادة الشرق الأوسط من المنظمات غير الحكومية هو الخوف من أن الغرب لا يساعد فقط لكي يعيش الناس في مجتمعات عادلة، لكنه يقوم من خلال هذه الجماعات بتقويض الهوية الدينية والإثنية للمنطقة، من خلال تحويلها إلى مجتمعات غربية».
ويفيد كوك بأنه «بالتالي، فإن قادة الشرق الأوسط يزعمون أن المؤسسات الغربية لا تتوافق مع المجتمعات الإسلامية، كما ناقش أحمد داوود أوغلو في رسالته للدكتوراه قبل أن ينضم للهجوم على المنظمات غير الحكومية، مثل (أمنستي إنترناشونال) وهو رئيس للوزراء».
ويرى الكاتب أن «مشكلة الهوية تجعل الموضوع أكثر حدة، فاختراق الأوروبيين للشرق الأوسط في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر أدى إلى عملية طويلة من التخمير الثقافي والاكتشاف بين الشرق أوسطيين، حول كيفية مواجهة هذا الخطر، وكان الإصلاح والقومية العربية والإسلامية، التي أكدت الهوية، من أهم الردود السياسية الأكثر فعالية، فتأميم قناة السويس، والثورة الجزائرية، التي أنهت 130 عاما من الاستعمار، ألهبا خيال العرب في كل مكان، وكانت هناك بيانات قوية أدت إلى انتشار شعارات شعبية، مثل (مصر للمصريين) و(الإسلام ديني والعربية لغتي والجزائر وطني)، إلا أن مسألة الهوية والسيادة لم تحلا في البلدين وبقية دول المنطقة».
ويلفت كوك إلى أن «مصر تذكر دوما بالتنازلات عن سيادتها، التي تضم ضرورة حصول مصر على موافقة إسرائيل لممارسة القوة في مناطق، وابتزاز السعوديين لها كي تتخلى عن جزيرتي تيران وصنافير، وكذلك تعديل بروانباك على قانون الاعتمادات الموحدة عام 2005، الذي أكد أن برامج الولايات المتحدة المتعلقة بالديمقراطية والحكم والجماعات التي اختيرت لتنفيذها لا تحتاج لموافقة مصرية مبدئية، وكان هذا احترازا مهما اتخذته واشنطن؛ نظرا لمحاولات الرئيس حسني مبارك عرقلة (أجندة الحرية) التي كان يدعو إليها الرئيس جورج دبليو بوش».
وينوه الباحث إلى أن «السعودية تعاني من مشكلاتها المتعلقة بالسيادة، فقد تم توحيد البلد من خلال القوة، ولا تزال قائمة بسبب نظام معقد من العلاقات وتوزيع المصادر، وعمل منظمات المجتمع المدني والدعم الأجنبي لا أثر لهما على هذه القضايا، لكن قادة السعودية لديهم القدرة على التأثير على ميزان السياسة الذي يوحد بلدهم، وبالتالي تقويض الاستقرار وتهديد السيادة».
ويختم كوك مقاله بالقول: «لا توجد وصفة قد تؤدي إلى تغيير الانفصام بين الطريقة التي يتعامل فيها الأوروبيون والأمريكيون ويدعمون المنظمات غير الحكومية في الشرق الأوسط والرد الشرس للقادة العرب، لكن المراقبين الغربيين قد يفهمون أن عمل الخير ربما نظر إليه حلفاء الولايات المتحدة على أنه تهديد».
مشاركة الخبر: