موسى الفرعي
علي البخيتي ومكعب روبيك
[ السبت, 18 أغسطس, 2018 ]
قد عنون الكاتب علي البخيتي مقاله بـ “سلطنة عمان.. من عدم الانحياز إلى الانحياز الكامل للحوثيين”، ولو قال إن سلطنة عمان تترك سياسة عدم الانحياز فقط حين يكون الانتقال إلى الانحياز الكامل للإنسان وحين يستجار بها فقط، سيصيب وكان أنفع له، الإنسان الذي تساقط كقطع الزجاج من عيون الكثيرين من الساسة العرب على وجه الخصوص ليتكسر أمام أعينهم دون أن يهتز لهم جفن، كما أن عمان ليست بحاجة لاعتراف من علي البخيتي بمواقفها الراسخة وحكمة جلالة القائد -حفظه الله ورعاه-، أما الأثمان التي دفعتها الدول الأخرى هي نتيجة حتمية لخوضهم في المشهد السياسي دون أي حسابات دقيقة ودون أن تقيم أي اعتبار للقوى الخارجية المؤثرة والمتأثرة بها بطبيعة الحال، وأما اليمن فهي لا تدفع الثمن بل تدافع عن كرامتها التاريخية والحضارية، وعن وجود إنسانها القادر على صنع المستحيلات، ولا مساومة على هذا الحق سواء كنت يمنيًا أو عُمانيًا أو من أي خارطة سياسية أخرى.
إن الصوت الذي يمثله علي البخيتي هذه المرة جاء ليحرك مكعب روبيك المنتظمة ألوانه، محاولًا أن يخلط هذا بذاك ولا أرى هدفًا لذلك سوى محاولة منه لزعزعة ثقة الرأي العام العُماني بمؤسسة كالمكتب السلطاني، حين يطرح تساؤلاته عن معرفة جلالة السلطان بما يقوم به المكتب السلطاني، وتحول المكتب السلطاني إلى مكتب فيز وخدمات فندقية للحوثيين على حد تعبيره، وهذه هي لعبة مكعب روبيك الخائبة التي يحاول أن يلعبها علي البخيتي من خلال المقال المشار إليه، فلو كان جلالته أعزه الله كمثل الجاهلين وحاشاه أن يكون، ولو أن ولاءات رجال عمان مرتبطة بمناصبهم وأرصدتهم البنكية كالكثيرين، لكانت عمان كبقية تلك الدول التي تخاطفها الطير، لذا عليك أن لا تتجلى كثيرًا، فأصغر العمانيين وأقلهم معرفة هو أكثر وعيًا وأعلم بالمصلحة التي يحققها الانتظام والتماسك، إن اللحمة العمانية حول المشترك الوطني الواحد أقوى من أن تفكها هذه اللعبة، فالعيون التي تبصر الدولاب الدموي الذي أنتجه التخبط والتفكك في دويلات ودول أخرى يزيدنا إيمانا وثقة بالسياسة العمانية بقدر ما يزيدنا ألمًا على ما وصل إليه الإنسان فيها، واستغرابا للسبيل الذي تحدوه بعض الحكومات.
إضافة إلى كل ذلك فهناك محاولة بائسة منه لإثارة الرأي الخليجي ضد عمان، ربما ذلك ما يحقق التفكك العربي الكامل كحلم يصبو إليه البخيتي أو من دعاه لتبني ذلك الحلم، وقد حدد نسبة الحوثيين بـ5 بالمئة، ووصف عمان بضاحية إيرانية، وهذه هي “غلطة الشاطر” فإن كانت كذلك، فهل هذه النسبة الضئيلة هي التي تكلف التحالف العربي 250 مليار دولار في حربها على اليمن..؟! ولست أدري هل هذا يدعو لازدراء البعض أم لاحترام البعض الآخر، لقد أساء البخيتي حين أراد أن يحسن، وأكثر ما يثير الاستغراب والسؤال هو إن كان البخيتي يمنيًا فما الذي أحال بصره إلى عمان وإيران التي يتمثل وجودها في الـ5 بالمئة في اليمن كما يدعي، تاركا المجازر التي ترتكب فيها، والسجون السرية والقواعد العسكرية، وسرقة التراث والطبيعة التي لم تسلم من ذلك أيضا. إلا إن كان وراء الأكمة، أكمة البخيتي، ما وراءها.
إن عمان راسخة المبادئ ثابتة الخطى، وحين يستجار بها فلا تغلّق الأبواب شريطة أن يحترم المستجير سياستها وآدابها، وسواء كان علي سالم البيض أو غيره فعليه أن يحترم ذلك، ولا يوجد في الأمر أي محاصرة فكر أو مصادرة رأي، ولكن قد يتصور أحدهم ذلك بسبب عقم الرؤية والافتراء.
يعود البخيتي للعبة الألوان ويدعي أن غالبية اليمنيين ينظرون إلى عمان باعتبارها مدينة إيرانية ترضى عمن تحب طهران، واستغرب من الذي خوله أن يكون ناطقا باسم غالبية اليمنيين، إن إخوتنا في الجمهورية اليمنية يعرفون عمان وقائدها وإنسانها خيرًا منه، والمشهد السياسي الإقليمي والدولي يعرف من عمان وما الذي يمكنها فعله، لذلك فإن تحريك مكعب الألوان لعبة خائبة، وكل لون ستحركه سيخنق ما تريد، فالشواهد تدل على العزة والكرامة العمانية من يوم أن كانت، إن عمان لم تكن ولن تكون تابعة لا لطهران ولا الرياض ولا لغيرها، فمن يظل كبيرا وقائدًا لا يعرف أن يعود لصفوف الجند، وإن تجرأت إيران على البيت الخليجي فلن تقف عمان على حياد لأنها تعرف جيدا معنى الجيرة وتعرف كيف الانتصار للدم الواحد.
ختاما لقد أشار البخيتي في خاتمة مقاله “للحديث بقية في الجزء الثاني والثالث من المقال”، وله أن يعود بما شاء، ليبدأ الرد والكشف الذي سيفوق تصوراته وآماله، فلنا قلوب نابضة وعقول واعية وأقلام لا تجف.. وللحديث بقية.
مشاركة: