بشرى المقطري
من مؤازرة الشرعية إلى دعم الانقلاب.. في اليمن
[ الإثنين, 19 مارس, 2018 ]
تشكل نتائج التدخل العسكري للتحالف العربي في اليمن أرضية ملائمة لدراسة جدوى التدخل في البلدان الأخرى، بما فيها الآثار الراهنة والمستقبلية على شعوبها، وفيما لا يمكن، بأي حال، مقارنة وضع اليمن واليمنيين بعد ثلاثة أعوام من التدخل العسكري للتحالف العربي بمرحلة قبل التدخل، وبعيداً عن الادعاءات السعودية والإماراتية بتحرير ثمانين بالمئة من الأراضي اليمنية من الحوثيين، ودعمهم السلطة الشرعية، بما فيها مساعداتهم الإغاثية لليمنيين، فإن مجمل هذه الادعاءات التي يرشح بها إعلام التحالف، منذ بداية تدخله العسكري، تتقزم أمام الأوضاع اللاإنسانية القاهرة التي يعيشها اليمنيون، وتعد أسوأ كارثة إنسانية عرفها العالم في العصر الحديث، إضافة إلى تسببهم بمقتل آلاف المدنيين جرّاء الغارات اليومية، وتقويض ما تبقى من البنية التحتية للدولة اليمنية، كما أن تقييم أداء السعودية، قائدة التحالف العربي، وحليفها الرئيس، الإمارات، وموقع السلطة الشرعية اليمنية اليوم تقوّض حقيقة أن تدخلهما العسكري في اليمن كان لصالح السلطة الشرعية، وبالطبع ليس أبداً لصالح اليمنيين.
صاغت البروباغندا الإعلامية السعودية والإماراتية، بمعية الدول المنخرطة في التحالف العربي، دوافع انطلاق العمليات العسكرية في اليمن في نهاية مارس/ آذار 2015، بدفاعهم عن السلطة الشرعية ضد انقلاب جماعة الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح، ووقف التمدّد الإيراني على حدودها الجنوبية. وفي حين بدا الإعلام العربي موحداً حيال حرب
السعودية في اليمن، ومنسجماً مع رياح "القومجية" التي صاحبت قرار القمة العربية حينها، وصاغت إجماعاً عربياً لافتاً بشأن حرب اليمن، فإن معظم الدول المنضوية تحت مظلة التحالف اكتفت بشرعنة التدخل العسكري السعودي، فيما وجدت الإمارات، بانضمامها للتحالف العربي، استثماراً رابحاً، يمنحها دوراً إقليمياً يتجاوز جغرافيتها، الأمر الذي أدى إلى منازعتها النفوذ السعودي في اليمن، ولم يلبث أن تحول التحالف العربي إلى نادٍ سعودي - إماراتي لإدارة مصالحهما في اليمن، في حين شكل انسحاب قطر من التحالف العربي، بعد تفجر الأزمة الخليجية بينها وبين السعودية والإمارات، في منتصف العام الماضي، منعطفاً في الحرب في اليمن، إذ انعكس صراعهما مع قطر والإخوان المسلمين على الساحة اليمنية، بما فيها سير المعارك على الأرض، كما هيمن تنافس الأجندات السعودية والإماراتية على المشهد السياسي والعسكري اليمني.
تبلورت الأهداف السعودية والإماراتية في اليمن في منتصف العام الأول من الحرب، إذ بدأت الإمارات بجني مكاسب تدخلها العسكري، وذلك بإحلال نفسها قوة وحيدة تدير جنوب اليمن، بدلاً عن مؤسسات السلطة الشرعية، مستخدمة الفصائل الجنوبية المنادية بالاستقلال عن شمال اليمن أداة رئيسية تمكّنها من الاستفراد بموارد الجنوب، فيما تركزت الأهداف السعودية على تحصيل منافع تدخلها في اليمن على المدى البعيد، في مقابل استمرار الخيار العسكري في اليمن، وفتح جبهات قتال عديدة، لاستنزاف حلفائها وخصومها، مع حرصها أن لا يتحقق تقدم عسكري على الأرض، يغيّر موازين القوى على حساب الحوثيين وقوات صالح، إضافة إلى إدارتها خلافات حلفائها المحليين في اليمن، وذلك لتغذية استدامة أسباب الحرب وطول أمدها، إلا أن مقتل صالح على يد حليفه الحوثي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي كشف حقيقة التموضعات السعودية والإماراتية حيال خصومهم الحوثيين، وحلفائهم في السلطة الشرعية، فخلافاً لتصدير الإعلام السعودي والإماراتي حسم الحرب عسكرياً ضد الحوثيين، ومع صعوبة ذلك، بسبب الطبوغرافية المعقدة للأراضي اليمنية، ولصراع حلفاء السعودية والإمارات المحليين، ولانخراطهما لتكريس نفوذهما في مدن الثروات والسواحل اليمنية، فإنهما لم تحرصا على تجريد الحوثيين من مواقعهما العسكرية، حتى لا يؤدي ذلك إلى تغير خارطة الصراع في اليمن، في حين كرست كل جهودهما على استثمار ديناميكية التحالفات العسكرية والسياسية في اليمن بعد مقتل صالح، وذلك لاستخدامها قوة ضغط على الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، من جهة، ولتنويع حلفائها المحليين في اليمن، من جهة أخرى.
تدرك السعودية، الخجولة في توضيح أهدافها قياساً بالإمارات، أن خيار حسم الحرب في اليمن، أو تقويض جزء من سلطة الحوثيين، لا يحقق أهدافها الاستراتيجية المحلية والإقليمية، إذ يعني سقوط الحوثيين، في المقام الأول، انتفاء الرواية الرسمية السعودية التي اعتمدتها لشرعنة
استمرار حربها في اليمن، باعتبارها دفاعاً عن النفس، في مواجهة تمدد إيراني، خصمها العقائدي في الإقليم، انطلاقاً من تزويد إيران جماعة الحوثي بالصواريخ البالستية التي تستهدف الأراضي السعودية، وتحول الرواية في الدبلوماسية السعودية إلى سبب في تدويل صراعها مع إيران، حيث سعت السعودية، وحلفاؤها الدوليون، كأميركا وبريطانيا، لانتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي، في نهاية فبراير/ شباط الماضي، يدين إيران لخرقها حظر الأسلحة على اليمن. وبالتالي، فإن القضاء على الحوثيين، لا يخدم مصالح السعودية في اليمن، إذ يسقط مبرّرات استمرار حربها في اليمن أمام القوى الدولية والمجتمع الدولي، كما أن القضاء على الحوثيين سيؤدي إلى تحرّر السلطة الشرعية من الهيمنة الكلية للسعودية، ما يعني إنهاء وجودها العسكري المباشر في اليمن، على عكس الإمارات، التي ضمنت بقاءها عسكرياً في جنوب اليمن من خلال حلفائها الجنوبيين.
أهم التحولات في أهداف السعودية والإمارات في اليمن هو إلى تحول البلدين إلى قوتين تغذيان بقاء جماعة الحوثي سلطة أمر واقع في المناطق التي تسيطر عليها، وتعزيز وجودها، في مقابل استمرار العمليات العسكرية بينهما ذريعة لاستمرار الحرب أمام اليمنيين، إذ تحولت جماعة الحوثي، بالنسبة للسعودية والإمارات، إلى المظلة الرئيسية التي تشرعن لبقائهما في اليمن، في مقابل تقويضهما سلطة الرئيس هادي في المناطق المحرّرة، بدءا بتعزيز قوة المليشيات المختلفة على حساب الشرعية، وانتهاء بضرب مشروعيتها السياسية أمام اليمنيين، مع إبقائهما على الوجود الشكلي للسلطة الشرعية، رمزية أخيرة لشرعنة تدخلهما العسكري في اليمن.
في الذكرى الثالثة لانطلاق عملية عاصفة الحزم العسكرية، لا يبدو العالم ولا الحياة بالنسبة لليمنيين كما كان قبل بدء الحرب التي قضت على حاضرهم ومستقبلهم. وعدا مضي المتقاتلين اليمنيين في صراعهم المرير على السلطة، باعتبارهم أدوات لاستمرار التدخل العسكري السعودي والإماراتي في بلادهم ونهبها أراضيهم وثرواتهم، فإن معظم اليمنيين البسطاء، حتى الذين في غمر حماستهم القديمة قالوا "شكرا سلمان.. شكراً إمارت الخير"، فإنهم لا يشعرون اليوم سوى بالندم.
*العربي الجديد
مشاركة: