بشرى المقطري
جزيرة سقطرى وأجندات الأشقاء
[ الخميس, 28 مايو, 2020 ]
بامتداد الصراع في اليمن إلى جزيرة سقطرى، يتخذ صراع فرقاء السلطة في الجنوب بعداً أكثر خطورةً من حيث تداعياته، والنتائج المترتبة عليه، بما في ذلك انعكاسه على مستقبل الجزيرة، فإضافة إلى التبعات الكارثية لجرّ الجزيرة إلى مربع الاقتتال، وأثره على البيئة الطبيعية النادرة للجزيرة التي تندرج ضمن التراث العالمي، فإن محاولة تصدير الانقسامات المناطقية في مناطق الجنوب إلى داخل الجزيرة يهدّد السلم المجتمعي في منطقةٍ طالما كانت آمنة من الحروب والعنف، كما أن محاولة ربط الصراع في جزيرة سقطرى بالصراعات الإقليمية يشكل تهديداً حقيقياً على مستقبل الجزيرة مع استمرار حالة الحرب في اليمن، وكذلك ولاءات القوى المحلية التي تنفذ أجندات القوى الإقليمية على حساب المصالح اليمنية، إذ تسعى القوى المتدخلة في اليمن إلى تعزيز وجودها في الجزيرة في سياق تنافسها مع القوى الإقليمية الحاضرة في دول القرن الأفريقي القريبة من اليمن، وهو ما يدفع الصراع في جزيرة سقطرى إلى سيناريو جديد، خصوصاً مع تنامي الصراع الإماراتي - التركي الذي تشهده الساحة الليبية وانعكاسه على الجوار الصومالي، وأثر ذلك على جزيرة سقطرى.
لطالما حافظ المجتمع المحلي في جزيرة سقطرى على تماسكه الاجتماعي، بحيث ظل محمياً من الهزّات السياسية التي شهدتها المناطق اليمنية الأخرى، إلا أن محاولة المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من دولة الإمارات، جرّ الجزيرة إلى مستنقع الاستقطابات السياسية التي تعاني منها المناطق الجنوبية الأخرى، أفلحت في تغذية الصراع في الجزيرة، فيما أثرت سياسة شراء الولاءات التي اتبعتها الإمارات بالتركيبة الاجتماعية في الجزيرة إلى حد بعيد، حيث سعى المجلس الانتقالي، طوال السنوات السابقة، إلى منازعة السلطة الشرعية القرار السياسي في الجزيرة،
فيما اتجه أخيراً إلى السيطرة على القرار العسكري في الجزيرة، فبعد إعلان أركان اللواء أول مشاة بحري، العميد ناصر عبد الله قيس، في نهاية الشهر الماضي (إبريل/ نيسان) ولاءه للمجلس الانتقالي، تبعه تمرّد ثلاث كتائب عسكرية في اللواء على السلطة الشرعية، بما في ذلك نهب مخازن الأسلحة التابعة للواء في الجزيرة، تحوّل المجلس الانتقالي إلى قوة عسكرية في الجزيرة، إضافة إلى قوات الحزام الأمني التابعة له. لذلك هدف المجلس الانتقالي إلى تغيير المعادلة العسكرية في الجزيرة، بالسيطرة على مديرية حديبو، عاصمة جزيرة سقطرى، بالاعتماد على قواته العسكرية، بما في ذلك استقدام مقاتلين من المناطق الجنوبية الأخرى، بذريعة أن محافظ أرخبيل سقطرى الحالي، رمزي محروس، ينتمي لحزب التجمع اليمني للإصلاح، وأنه يهدف إلى تسليم الجزيرة لتركيا، فيما انسحبت قوات "الواجب 808" السعودية من مداخل عاصمة سقطرى بشكل مفاجئ؛ ومع استمرار الصراع في الجزيرة، فإن الجلي هنا أن المجلس الانتقالي يخوض معركةً في جزيرة سقطرى بالنيابة عن حلفائه، إذ يأتي تحرّكه العسكري في منطقة خارج نفوذه بعيداً عن ترتيبات الإدارة الذاتية للجنوب الذي أعلنه الانتقالي، وفشل فيه في مدينة عدن، وإنما محاولة لفرض واقع جديد في جزيرة سقطرى، تمكّن حلفاءه الاقليميين من السيطرة عليها، مقابل شرعنة سيطرته على مدينة عدن.
يتعدّد اللاعبون الإقليميون في جزيرة سقطرى، حيث يسعى كل طرفٍ، من خلال وكيله المحلي أو تحت غطائه، إلى ترتيب وضع الجزيرة المستقبلي بما يتناسب مع مصالحه، إذ أن موقعها على المحيط الهندي، والمطل على خليج عدن في نقطة التقاء المحيط الهندي ببحر العرب، يمكّن الطرف الإقليمي الذي يسيطر على الجزيرة من تحقيق نفوذ إقليمي وتجاري وعسكري، بما في ذلك إشرافه على طرق التجارة العالمية، كما أن التنوع البيئي في الجزيرة، بما في ذلك مواردها النباتية والحيوانية الفريدة، مغرٍ للدول المتدخلة في اليمن لاقتطاع جزيرة سقطرى، أو ترتيب وضع خاص فيها. تحضر الأجندة الإماراتية في جزيرة سقطرى بشكل لافت، إذ أن التغيرات الاجتماعية والديموغرافية التي أحدثتها في الجزيرة طوال وجودها العسكري تجعل المطامع الإماراتية أكثر خطورةً من الأجندات الإقليمية الأخرى، حيث تغلغلت في المجتمع المحلي اجتماعياً واقتصادياً، وذلك بتجنيس مئات المواطنين، إضافة إلى أكثر من عشرة آلاف مواطن يمني سقطري يعيش في الإمارات، بينهم مجنسون، إذ استخدمتهم أداة لتغير ملكية أراضي الجزيرة، وذلك بإجبارهم على بيع أراضيهم لصالح رجال أعمال إماراتيين وشراء أراض جديدة لصالح دولة الإمارات. ومن جهة أخرى، أقامت مشاريع استثمارية متنوعة تابعة لها لفرض وجودها في حياة المواطنين، منها مصنع أسماك يملكه المندوب العام لمؤسسة خليفة بن زايد، العميد خلفان المزروعي الذي أصبح قوة اجتماعية وعسكرية في الجزيرة، في انتهاك سافر للقوانين اليمنية التي تحظر إقامة مشاريع أو بيع أراض في الجزيرة لغير اليمنيين، وفيما نجحت السلطة الشرعية في عرقلة الأجندة الإماراتية في الجزيرة، ولو مؤقتاً، إبان حكومة أحمد بن دغر، بما في ذلك إجبار القوات الإماراتية على الخروج من الجزيرة، فإن التدخل الإماراتي في الجزيرة ظل حاضراً، وإن اختلفت أشكاله.
على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة، أي بعد انسحاب قواتها من جزيرة سقطرى، واصلت الإمارات استراتيجيتها في فرض أجندتها السياسية على الجزيرة، من خلال تحدّيها السيادة اليمنية، حيث استمرت في انتهاك القوانين اليمنية المنظمة لعملية دخول الجزيرة لمواطنيها والمواطنين القادمين على متن طيرانها، كما تابعت عملية شراء الأراضي في الجزيرة لصالحها، ونهب مواردها الطبيعية، فضلاً عن استحداث مواقع بناء جديدة في المحميات الطبيعية، فيما استخدمت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وكيلها المحلي، ذراعاً عسكرية لفرض واقع جديد في جزيرة سقطرى، بحيث دفعت به أخيراً للسيطرة على عاصمة الجزيرة، لاستباق أي تحرّك إقليمي منافس، الأمر الذي يدفع الصراع في الجزيرة إلى منعطفٍ أكثر خطورة، حيث قد يفرض التنافس الإماراتي - التركي في الصومال أثره على مجريات الصراع في الجزيرة مستقبلاً، إذ أن امتلاك تركيا قاعدة عسكرية في الصومال القريبة من جزيرة سقطرى، مقابل النفوذ الإماراتي الاقتصادي في الإقليم الصومالي المستقل، قد يجرّ الجزيرة المسالمة إلى دائرة صراع إقليمي متعدّد الأقطاب، وذلك بتوظيفهما أدواتهما المحلية في اليمن، ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي وحزب التجمع اليمني للإصلاح، بما في ذلك توظيف النزاع الصومالي - اليمني على جزيرة سقطرى إبان دولة اليمن الجنوبي سابقاً. ومن جهة أخرى، قد تضغط تطورات الصراع العسكري الإماراتي - التركي في ليبيا على مجريات الصراع الحالي في جزيرة سقطرى، وإن انحصر في سياق التجاذبات السياسية حتى الآن بين أدواتهما المحلية، ولكن ومع لا وطنية هذه القوى، فإن مستقبل الجزيرة محفوف بالمخاطر.
في المقابل، تحضر الأجندة السعودية في سياق الصراع الحالي في جزيرة سقطرى، وإن تحرّكت تحت غطاء السلطة الشرعية، إذ مكّنها تدخلها العسكري، بوصفها قوة فصل بين القوات الإماراتية وقوات الشرعية أولاً، ثم بين قوات المجلس الانتقالي وقوات الشرعية بأن تصبح القوة العسكرية الرئيسية في الجزيرة، وذلك بعد تكثيف حضورها العسكري واستقدام قواتٍ جديدةٍ إلى الجزيرة خلال السنوات الأخيرة، بما يتعارض مع كون الجزيرة منطقة منزوعة السلاح بموجب القوانين اليمنية، بما في ذلك كونها في قائمة التراث العالمي، إلا أن القوات السعودية لم تسعَ إلى تأمين الجزيرة، وإنما لفرض واقع جديد يصبّ في صالحها، حيث انسحبت قواتها أخيراً من تأمين مديرية حديبو، عاصمة سقطرى، لتفسح الطريق للقوات التابعة للمجلس الانتقالي لتطويق العاصمة، في سيناريو سعودي مدروس على غرار ما قامت به في مدينة عدن، إذ أن تمكين المجلس الانتقالي من السلطة في جزيرة سقطرى، أو حتى استمرار نزاعه مع قوات الشرعية، يصبّ في كل الحالات في صالح السعودية، فبقاؤها كقوة عسكرية للفصل بين المتحاربين يعزّز من وجودها العسكري ويشرعن له، كما أن احتماءها بمظلة الدفاع عن الشرعية في الجزيرة منحها حرية الحركة من دون رقابة لتنفيذ أجنداتها الإقليمية، إذ تفيد معلومات بتجنيد السعودية بعض الأهالي قوة محلية تابعة لها. وفي حال صحة المعلومات، فإن السعودية تسعى، هي الأخرى، إلى فرض سيطرتها على الجزيرة، فيما تمنحها سيطرتها على السلطة الشرعية ضوءاً أخضر ببقاء قواتها العسكرية في الجزيرة إلى أجل غير معلوم، بما في ذلك تحويلها إلى قاعدة عسكرية سعودية، في حال أرادت ذلك.
تظل جزيرة سقطرى يمنية الأرض والإنسان والهواء، حتى لو حاول المتدخلون جرّ الجزيرة المسالمة إلى فوهة بركان قد تحرق معالمها الطبيعية الفريدة، إلا أن المثل الشعبي اليمني يقول "المال السائب يعلم السرقة". وفي ظل سلطة شرعية ضعيفة لا تمتلك قراراً سياسياً أو عسكرياً، واستمرار تفريطها في السيادة اليمنية، فإن الأراضي اليمنية، وجزيرة سقطرى تحديداً، تشكل هدفاً حيوياً للقوى المتدخلة والقوى الإقليمية لانتزاعها، فيما تمنحها القوى المحلية اللاوطنية الرخيصة صكّاً لابتلاع الجزيرة.
مشاركة: