الرئيسية > أخبار المهرة وسقطرى
المهرة: “خبور خير”.. تلاحم قبلي ومقاومة جديدة للنفوذ السعودي
المهرة بوست - منى صفوان
[ السبت, 08 سبتمبر, 2018 - 06:45 مساءً ]
قد تبدو لك الارض المنبسطة انها سهلة، لكنها ليست كذلك، جغرافيا تصعب قراتها، وبالتالي السيطرة عليها، هذا ما يتضح لك وانت ترى ارض المهرة اقصى جنوب شرق اليمن، حيث تظهر لاول مرة المعسكرات الامارتية والسعودية مترامية الاطراف على حدود المحافظة الكبيرة.
المهرة باب اليمن الشرقي، الذي يتشارك مع سلطنة عمان الموقع المطل على بحر العرب، حيث يشكل الساحل الكبير 560 كم بابا مفتوحا على البحر وموقعا استراتيجيا طالما حلمت به المملكة السعودية كمرر بديل للنفط.
الاخبار القادمة من هناك ليست جيدة فيما يخص هذه النقطة ، او كما يقول اهل المهرة بلغتهم المحلية “خبور” والتي تعني الاخبار بحسب واحدة من اقدم اللغات العربية السامية المنحدرة من اللغة الحميرية القديمة.
ليست اللغة وحدها من يحافظ عليها قبائل المهرة ،بل ايضا التقاليد العربية التي تظهر كحجر عثرة امام محاولة السيطرة الخارجية من قبل دول الخليج تحديدا الامارات والسعودية، فهناك حاولت السعودية مواجهة الرفض الشعبي بالغطاء الرسمي المتمثل برئاسة الجمهورية، حيث زار عبد ربه هادي المحافظة الكبيرة ، وكان في استقباله السفيرالسعودي في اليمن، في مفارقة ساخرة ، توجه رسالة واضحة لقبائل المهرة ان التواجد السعودي يحظى بدعم “الشرعية”.
ففي الغيضة عاصمة المهرة اشتعلت على مدى اكثر من خمسة اشهر اعتصامات شعبية ترفض التواجد العسكري السعودي، الذي يطمح لايجاد منفذ بري وبحري لتصدير النفط السعوي، هربا من التهديدات الايرانية في مضيق هرمز.
هذا المشروع السعودي قديم جدا في ارض المهرة، حيث حاولت المملكة منذ الثمانينات ايجاد هذا الممر البري، منذ ايام حكم دولة الجنوب الاشتراكية ، وبعد الوحدة في عهد الرئيس علي عبد الله صالح، واليوم بعد الحرب في عهد الرئيس هادي.
وكان الرد اليمني قبل الحرب رسميا وشعبيا، هو رفض التواجد العسكري والقبول بمد انبوب النفط دون انتقاص السيادة اليمنية، حيث كان المشروع يعتمد على حماية سعودية عسكرية للانبوب داخل الارض اليمنية، وتغيير ديموجرافي، وتهديد حقيقي للسلم الاجتماعي ،وتفخيخ واحدة من اهم المحافظات اليمنية، بان يصبح جزء اصيل من الارض اليمينة تحت ادارة وسيطرة السعودية بما فيها مواردها المالية ، وهو ما رفضه اليمن الجنوبي قبل الوحدة ، ويمن بعد الوحدة في عهد الرئيس صالح،وتأتي للاسف موافقة ضمنية لها في عهد حكومة هادي.
فمع عقد التحالف بين سلطة الرئيس هادي والسعودية حيث تظهر موافقة رسمية مبدئة ورفض شعبي ومن هنا تكون الاخبار سئية بالحديث عن تصدع المجتمع المهري.
لمن يعرف المهرة يعرف انها عاصمة السلم في اليمن، على مدى تاريخه السياسي المعاصر، برغم ان قبائل المهرة لايقلون باسا وشده عن باقي قبائل اليمن، لكنهم لم يكونوا ابدا ضد الدولة، او يحملوا السلاح، او يعتنقوا اي مظاهر مسلحة، لكن الوضع المهري الان مختلف تماما.
اصبحت الصورة الغريبة هي ان ترى المهري يحمل سلاحا، وهو امر دخيل على المحافظة الكبيرة ثاني اكبر محافظات اليمن، وهو وضع فرضه الظرف الحالي والتواجد العسكري السعودي غير المبرر في المحافظة المسالمة.
فلم يكن هناك اي مبرر للتواجد العسكري السعودي والاماراتي هناك، فهي محافظة تقع تحت سلطة الدولة اليمنية ، بالتالي ماهو المبرر السياسي والعسكري للتواجد العسكري السعودي او تحالف اعادة الشرعية.
المهرة لاتوجد فيها قبائل متمرد، ولا مليشيات، ولاجماعات متطرفة، ولا حوثيين, ولا حتى قاعدة , وهنا الاختلاف بينها وبين كل المحافظات اليمينة شمالا، وجنوبا.
حيث تسيطر القاعدة على محافظة حضرموت المتاخمة للمهرة، فقد وجدت القاعدة والجماعات السلفية المتطرفة حاضنا شعبيا لها في حضرموت على عكس المهرة.
ومن هذه النقطة انطلقت الاحتجاجات الشعبية في عاصمة المهرة, بقيادة شيوخ واعيان المحافظة الكبيرة، كعبد الله بن عيسى ال عفرار، والشيخ علي سالم الحريزي، وظهر التلاحم القبلي المهري الذي كان دائما جزء من الدولة والمؤسسة العسكرية حيث ان الشيخ الحريزي هو قائد عسكري كبير في الجيش اليمني منذ الثمانينات وكان رفيقا لهادي في جيش الجنوب، لكنهما الان على النقيض فيما يخص سيادة الارض اليمنية
الان ظهرت القبيلة اليمنية كخط دفاع اول عن الدولة وسيادتها، حيث غابت المؤسسة العسكرية التي من مهامها حماية ارض وتراب اليمن من اي تدخل واطماع خارجية، فظهرت القبيلة هناك مع الدولة وسيادتها وضد النفوذ والسيطرة الخارجية – السعودية.
لقد تحولت قضية المهرة في مدة قياسية من قضية محلية ضيقة ومحصوره داخليا الى قضية وطنية شاملة، اكدت على سمو اهدافها وجمعت حولها القبائل والتيارات السياسية اليمنية المناهضة للتواجد الخارجي – السعودي
ان في انتهاء الوصاية السعودية على اليمن، نهاية لحكم ال سعود، هذه الافكار هي التي تحرك العصبة القبلية التي تتحرك في مناخ وطني جامع، واستطاعت اظهار القضية الوطنية بحجمها وبعدها الاقليمي.
لعلها كانت مفاجئة غير سارة للتواجد السعودي العسكري على تراب اليمن، حيث اعتقد الحاكم العسكري السعودي انه من السهولة السيطرة على هذه الارض المفتوحه وعلى صحراء وشواطئ المهرة، وهي مفاجئة اخرى تفاجئ بها في بوابته الجنوبية على حدود صعده منذ العام 2004، حيث ظهرت له جماعة مسلحة “انصار الله – الحوثيين” الذين استبسلوا بقتال ومقاومة السعودية في المناطق الشمالية وخاصة بعد ذلك في الساحل الغربي والحدود الجبيلة الشمالية.
وفي الحدود الجنوبية الشرقية، تتحرك وتنشط الان مقاومة قبلية وشعبية من نوع اخر لها ذات الاهداف التي يجمع عليها اليمنيون، حيث ترفض الوصاية الخارجية، والانتقاص من السيادة، وهو ما يجعل الوصي السعودي في حالة ارباك، وفي حرب مفتوحه ، ومع اكثر من خصم، برغم تحالفه العميق مع حكومة هادي المعترف بها دوليا ، وهو تحالف لم يغير الكثير على الارض.
فحتى الاراضي اليمنية التي كانت تعلن دعمها وتاييدها للمشروع والوصاية السعودية بدات تخرج عن صمتها وتعلن عن مظاهرات ضخمة تجوب محافظات ومدن الجنوب الكبرى، من عدن الى حضرموت.
لاوصاية سعودية ولا ايرانية
هذا التغيير في الخارطة اليمنية بعد اربع سنوات من الحرب الظالمة ، يؤكد للجميع بما فيها ايران ان اي وصاية على الشعب والارض اليمنية لن يكون بالمهمة السهلة، فاليمني الذي لم يقبل شقيقه وجاره العربي السعودي وصيا عليه لن يقبل التواجد اوالوصاية الايرانية.
هذا هو ما تعلنه اعتصامات واحتجاجات المهرة، وقبلها تحركات الحوثيين العسكرية، والان المظاهرات السلمية في الجنوب، لتكون لدينا في المحصلة حالة تلاحم شعبي وقبلي وزخم حقيقي يعيد للدولة اليمنية روحها وهويتها الوطنية، ويضع الحدود الجديدة للخصم التاريخي القديم.
ان بروز قضية شائكة كقضية المهرة على السطح، مهم للمشروع الوطني الجامع، وحماية لليمن وللاقليم من اي تدخلات تورط الخارج والداخل، ولعل في علاقة اليمن بجارتها العمانية مثال على ذلك.
فلسطنة عمان الجارة القريبة من الجغرافيا والتقاليد والاعراف والتاريخ، تقوم العلاقة معها على بنود الاحترام وتلاقي المصالح، دون تدخلات سافرة ودون اسفاف او ابتذال وهو ما فقدته العلاقات اليمنية – السعودية التي قامت تاريخيا على الوصاية والارتهان، وهو الامر الذي لم يعد مقبولا.
هذه واحدة من الاخبار الطيبة من ارض اليمن.. او كما نقول بالمهري “خبور خير” وللحديث بقية في سلسلة مقالات من اليمن ..
نقلا عن صحيفة "رأي اليوم"
مشاركة الخبر: