الرئيسية > أخبار اليمن
جرائم حرب في اليمن.. شرقٌ يقتل وغربٌ يحرك «الزناد»
المهرة بوست - وكالات
[ السبت, 07 يوليو, 2018 - 02:07 صباحاً ]
«يدينون الهجمات، ثم يصدرون الأسلحة».. يومًا بعد يوم، تتعقد مشاهد الأزمة اليمنية، ولا يدفع الثمن إلى المدنيون.
بالبرغم من عشرات البيانات والتقارير التي تدين جميع أطراف اليمن" الحرب في اليمن، إلا أنّ تدخلًا بالقدر المناسب لم يتحقق إلى الآن، يحفظ أمن البلاد ويوقف هدر الدماء.
فمن جهة، يُتهم الحوثيون بارتكاب جرائم حرب في اليمن، بدعم مسلح واسع النظير من قبل إيران، دون أن تتخذ قرارات دولية توقف هذا الدعم المسلح.
وعلى الجانب الآخر من الحرب، فإنّ التحالف العربي بقيادة السعودية متهم هو الآخر بارتكاب جرائم مشابهة ضمن حربه التي يبررها بدفاعه عن شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي.
بيد أنّ أحد أطراف الأزمة أيضًا هو موقف الغرب، الذي يكتفي - وفق محللين - بإصدار بيانات ربما لا تثمر ولا تغني من جوع، تطالب بوقف الحرب على الفور حفظًا لما تبقى من دماء المدنيين وحماية لأوجاع بطونهم جرّاء المجاعة المستشرية في البلاد.
من دول الغرب، لا تزال فرنسا تلتزم بتصدير الأسلحة إلى السعودية، قائدة التحالف، رغم مطالبات وقف التصدير حتى يتم التحقيق في سلسلة الانتهاكات المتهم بالتحالف بارتكابها، في وقتٍ تطالب فيه كذلك منظمات دولية التحقيق في جرائم مليشيات الحوثي الانقلابية هناك.
منظمات حقوقية، بينها منظمة العفو الدولية، ندّدت بمواصلة فرنسا تصدير الأسلحة إلى السعودية والإمارات، وذلك بعد نشر التقرير الخاص بمبيعات المعدات العسكرية لعام 2017.
ويؤكد التقرير - الذي قدمته وزيرة الجيوش فلورانس بارلي في البرلمان الفرنسي - أنّ منطقتي الشرق الأوسط والأدنى مثلتا العام الماضي نحو 60% من طلبيّات الأسلحة الفرنسية، أي 4.5 من أصل ثمانية مليارات دولار.
وسلمت باريس، للسعودية وحدها معدات عسكرية عام 2017 تبلغ قيمتها أكثر من 1.5 مليار دولار، أي "أكثر بكثير من عامي 2015 و2016".
وقال إيميريك إلوين من منظمة العفو الدولية، في بيان مشترك مع منظمة "أكات" غير الحكومية و"مرصد التسلح"، إنّ الرياض أصبحت "الزبون الثاني لفرنسا من حيث التسليح عام 2017، رغم انتهاكات للقانون الإنساني يرتكبها التحالف في النزاع اليمني، وفق قوله.
كما صرح طوني فورتن من مرصد التسلح: "الإمارات والسعودية من أبرز زبائننا، وهذا انتهاك واضح لمعاهدة تجارة الأسلحة والموقف المشترك للاتحاد الأوروبي لجهة حظر عمليات التسليم إلى دول متهمة بارتكاب جرائم حرب".
بينما أوضحت هيلين ليجيه من منظمة "أكات" أنّ "التقرير المقدم للبرلمان ممارسة جديدة لانعدام الشفافية"، مشيرةً إلى أنه "لا يوفر معلومات تسمح للبرلمانيين بممارسة الرقابة على تصدير المواد العسكرية".
لكنّ التقرير ينقل عن وزيرة الجيوش قولها إنّ "هذه الصادرات تندرج في إطار قانوني صارم للغاية واحترام كلي للمعاهدات والالتزامات الدولية".
اصطلاحيًّا، تعني "جرائم الحرب" تلك الانتهاكات لقوانين الحرب أو القانون الدولي التي تعرّض شخصًا للمسؤولية الجنائية الفردية، وترجع أول محاكمة على ذلك إلى عام 1474 وذلك لـ"بيتر فون هاجنباخ" الذي حوكم في النمسا وحكم عليه بالموت لتورطه في أعمال وحشية وقت الحرب.
وفي اليمن، يمكن القول إنّ كل الأطراف متورطة في هذه الجرائم وذلك بحسب التقارير الحقوقية والدولية التي طالبت بضرورة معاقبة المتورطين في هذه الحرب.
من بين الوقائع، مثلًا أنّ الميليشيات الحوثية عمدت إلى زرع المناطق التي يخسرونها في الحرب بالألغام ما أودى بحياة الكثير من المدنيين، وشكّلت لأعداد كبيرة إعاقات دائمة.
وانتشرت ألغام الحوثيين، وفق تقارير حقوقية، في المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية، عدن وأبين ومأرب ولحج وتعز"، منذ بداية انقلابهم على الحكومة الشرعية.
وفي مايو 2015، أي بعد نحو شهرين فقط على بدء عمليات التحالف العربي، اتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش، ميليشيات الحوثي بـ"ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين من خلال عمليات القصف والخطف التي تنفذها"، وطالبت المنظمة - حينذاك - المتمردين الحوثيين بـ"العمل على ضرورة تجنيب المدنيين آثار الصراع هناك وبخاصةً في مدينة عدن".
وفي هذا العام، اتهمت الأمم المتحدة مليشيات الحوثي بـ"تجنيد 1476 طفلًا للقتال ضد الشرعية في اليمن".
وقالت المتحدثة باسم مفوضية حقوق الإنسان رافينا شامداساني خلال مؤتمر صحفي في جنيف، إنّ "المفوضية تلقت العديد من التقارير عن تجنيد الأطفال، معظمهم بوساطة اللجان الشعبية التابعة للحوثي".
كما تلقت المفوضية - تكشف شامداساني - تقارير عن أطفال تمّ تجنيدهم دون علم أسرهم في اليمن، وأنّ "الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا غالبًا ما يتم ضمهم إلى القتال إمّا بالانسياق أو من خلال جذبهم بوعود ومكافآت مالية أو بمركز اجتماعي"، وأشارت إلى أنّ "العديد من الأطفال تمّ إرسالهم بسرعة إلى الخطوط الأمامية للقتال أو تم تكليفهم بالعمل على نقاط التفتيش".
قانونيًّا، أوضحت المفوضية أنّ "تجنيد واستخدام الأطفال في النزاعات المسلحة ممنوع منعًا باتًا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي"، موضحةً أن "حالات تجنيد أطفال دون الـ15 عامًا ترقى إلى جريمة حرب، وحثت الحوثيين على "الإفراج الفوري عن هؤلاء الأطفال".
منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، شنّ الحوثيون وحلفاؤهم حملة اعتقالات تعسفية وإخفاءات قسرية ضد من يُنظر إليهم على أنهم خصوم، مع إطلاق قذائف مدفعية في هجمات عشوائية على مدن الجنوب في السعودية، ما أسفر عن مقتل 471 مدنيًّا وجرح 1121 بين 1 يوليو 2015 و30 يونيو 2016 بحسب الأمم المتحدة، كما زرع الحوثيون والقوات المتحالفة معهم ألغامًا أرضية محظورة مضادة للأفراد، أسفرت عن مقتل وجرح عشرات المدنيين.
على الجانب الآخر من الحرب، يواجه أيضًا التحالف العربي، اتهامات بارتكاب جرائم حرب في اليمن، شأنه في ذلك شأن الحوثيين، ففي 12 سبتمبر الماضي، اتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش، التحالف، بـ"ارتكاب جرائم حرب، وقالت إنّ ضرباته الجوية قتلت 39 مدنيًّا، بينهم 26 طفلاً في شهرين".
وصرحت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في المنظمة: "الوعود المتكررة للتحالف بقيادة السعودية بتنفيذ ضرباته الجوية بشكل قانوني لا تجنب الأطفال اليمنيين الهجمات غير القانونية.. هذا يسلط الضوء على ضرورة أن تعيد الأمم المتحدة التحالف على الفور إلى قائمة العار السنوية، بسبب الانتهاكات ضد الأطفال في صراع مسلح".
هذا الاتهام جاء بعد نحو شهر من غارات شنّتها طائرات تابعة للتحالف على "منزل" في صعدة، ما أدّى إلى مقتل تسعة من أسرة واحدة، بينهم ستة أطفال، تتراوح أعمارهم بين ثلاثة و12 عامًا، فضلًا عن ضربة أخرى قبل ذلك بشهر، قتلت ثمانية من أسرة واحدة في محافظة تعز، بينهم الزوجة وابنة عمرها ثماني سنوات، فيما أكّد شهود عيان وقتها عدم وجود أهداف عسكرية بالقرب من المكان.
كما سبق أن تقدمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان (غير حكومية) بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد الإمارات بتهمة "ارتكاب جرائم حرب" في اليمن، حيث تشارك أبوظبي في التحالف بقيادة السعودية.
وقال جوزيف بريهام محامي المنظمة - مقرها لندن - إنّ "الشكوى تتعلق باستخدام أسلحة محظورة وهجمات عشوائية ضد مدنيين وأعمال تعذيب في السجون اليمنية يرتكبها مرتزقة توظفهم الإمارات".
أيضًا وثقت "هيومن رايتس ووتش" 61 ضربة جوية يبدو أنّها غير قانونية قامت بها قوات التحالف بقيادة السعودية، قد يرقى بعضها إلى جرائم حرب، واستخدمت قوات التحالف أيضًا الذخائر العنقودية المحظورة دوليًّا، كما ورد في تقرير سنوي صدر عن المنظمة لعام 2016.
وبالعودة لما يمكن وصفه بـ"التورط الغربي"، فقد تحدثت العديد من التقارير عن "صمت دولي"، بل وفي أحيان أخرى يمكن الحديث عن اشتراك في هذه الانتهاكات.
حمَّلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كلًا من الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولية جرائم الحرب التي قالت إنّ السعودية ترتكبها في اليمن، وبخاصةً أنّ هجمات التحالف تتم بدعم مباشر منهما، كما تحدثت الصحيفة بإسهاب عن تدخّل السعودية في الصراعات اليمينة، وذكرت أنّ التحالف الذي تقوده الرياض مسؤول عن 65% من وفيات الأطفال اليمنيين.
وفي اتهام آخر، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إنّ ما يجري في اليمن هو جرائم حرب، وإنّ الولايات المتحدة شريكة فيها، وهو حديثٌ ملفت في وقت تتهم فيه طهران بأنّ الممول الأول "سياسيًّا وعسكريًّا" لجماعة الحوثي، ما يضفي على هذا الاتهام ثمة اتهام آخر لإيران نفسها.
أيضًا، خرج اتهام "ضمني" من قبل منظمة رايتس ووتش، تقول فيه إنّ "الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة لم تعلقا مبيعات الأسلحة إلى السعودية رغم وجود أدلة متزايدة على استخدامها في النزاع وفشل التحالف في التحقيق في الانتهاكات المزعومة"، وأشارت إلى أنّه في 2015، وافقت الولايات المتحدة على أسلحة بقيمة تزيد عن 20 مليار دولار إلى السعودية، كما وافقت المملكة المتحدة على مبيعات أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار.
قادت كل هذه الجرائم سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "رايتس ووتش" لأن تقول: "لا يبدو أنّ أي جهة من القوى المشاركة في النزاع في اليمن تخاف محاسبتها عن انتهاك قوانين الحرب".
وطالبت "سارة" أعضاء الأمم المتحدة الضغط على الأطراف لوقف لقتل المدنيين ومعاناتهم.
بعد الحديث عن الانتهاكات، يفرض تساؤلٌ نفسه، ماذا عسى للمجتمع الدولي أن يفعله من أجل وقف إراقة دماء المدنيين، ولعل أول ما يخلد إلى الأذهان هو "فرض العقوبات".
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالًا سابقًا لنائبة مدير شؤون الأمم المتحدة في منظمة هيومن "رايتس ووتش" أكشايا كومار، تحدثت فيه عن ضرورة فرض عقوبات على كافة أطراف الصراع في اليمن.
تقول " كومار" إنّ مجلس الأمن فرض عقوبات على الحوثيين بغض النظر عن كونها كافية من عدمه، لا سيّما فيما يتعلق باتخاذ قرار حظر من السفر وكذا تجميد الأصول والأموال وذلك بسبب الانتهاكات الكبيرة التي تورطها فيها بـ"حرب اليمن"، لكنّها في الوقت نفسه رأت أنّ "الأمم المتحدة تتخذ نهجًا غير متوازن إزاء الصراع في اليمن"، متحدثةً عن أنّ لدى الأمم المتحدة معلومات تشير إلى ضرورة فرض جزاءات فردية مماثلة على أعضاء التحالف، ومنهم القادة العسكريون في الإمارات والسعودية.
ووضعت "كومار" سببًا اعتبرت أنّه يحول دون فرض عقوبات على التحالف، وهو يتمثل في تدخل من قبل من وصفتهم بـ"حلفاء السعودية"، وهم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، ما حال دون اتخاذ موقف في مجلس الأمن.
وربما يُفسّر ذلك جملة المصالح، التي تسعى هذه الدول للحفاظ عليها في الشرق الأوسط، والتي تستدعي بالضرورة الارتكان على حليف قوي في المنطقة، وبالتالي تجد هذه الدول في السعودية هذا "الخيار المناسب".
وتحتل القضية الفلسطينية، صدارة هذه المصالح، إذ يتم الحديث حاليًّا عما وُصفت بـ"صفقة" تجهزها الولايات المتحدة لإحلال عملية سلام، لكن بسبب أنّ تفاصيل هذا الحل لن ترضي الفلسطينيين بسهولة وهنا سيتم الاعتماد على السعودية من أجل الضغط على السلطة الفلسطينية للقبول بها، وهنا كشفت تقارير صحفية أمريكية عن أنّ ولي العهد السعودي - الملك المرتقب - محمد بن سلمان ضغط بشدة على رئيس السلطة محمود عباس أبو مازن للقبول بالخطة أو إجباره على الرحيل عن وتجهيز بديل له، يوافق على هذه الخطة التي تتطلع أمريكا لتنفيذها.
إن صحت هذه التقارير، فإنّ الولايات المتحدة ربما تتغاضى عما توصف بـ"انتهاكات السعودية في اليمن" مقابل مساعدتها في تنفيذ خطة السلام بغية "تأسيس دولة مستقرة للاحتلال الإسرائيلي"، كما تحلم واشنطن وربما تتطلع الرياض، من أجل مواجهة إيران التي تشترك السعودية والاحتلال في عدائها.
ورغم الانتقادات الدولية للسعودية "قائدة التحالف" بسبب اليمن" الحرب في اليمن، واستمرارها رغم الكارثة الإنسانية التي أحلت بها، حتى بات "اليمن الحزين" يعاني من أكبر أزمة إنسانية في العالم وأسوأ أزمة لتفشي وباء الكوليرا، وحتى قبل الحملة العسكرية التي تقودها السعودية كان اليمن أفقر بلد في الشرق الأوسط، والآن تحذر الأمم المتحدة من أن اليمن على أعتاب واحدة من أكبر المجاعات في العصر الحديث.
مصر العربية
مشاركة الخبر: