الرئيسية > أخبار اليمن
كيف تستغل السوداوات والمهمشات جنسيًا في اليمن؟
المهرة بوست - vice - اسماعيل الاغبري
[ السبت, 23 سبتمبر, 2023 - 09:49 صباحاً ]
في مارس 2019، تعرضت الطفلة رسائل عبد الجليل للاغتصاب من قبل خمسة شبان بمنطقة الكلائبة في محافظة تعز اليمنية.
تنتمي رسائل إلى فئة المهمشين المصنفين بالـ "أخدام" في اليمن. وغالبًا ما يكونون من ذوي البشرة السوداء ويعيشون في الأحياء الفقيرة، والتي هي معزولة عن باقي المجتمع. كما أنهم محرومون من أبسط حقوق المواطنة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن 98٪ منهم أميون، ولا يحمل سوى 520 منهم شهادة جامعية. وتصل نسبة البطالة بينهم إلى 70٪، ويُجبرون على العمل في مهن دونية مثل النظافة والصرف الصحي.
يواجه الأخدام في اليمن تمييزًا عنصريًا الذي يعود تاريخه إلى قرون طويلة. وفي عام 1158، أطاحت دولة بني مهدي بدولة بني نجاح، وحرصت بأن يبقى زعماء بني نجاح خدمًا لقبائل اليمن. وقد فشل دستور الجمهورية اليمنية في تحقيق المساواة بين جميع المواطنين، بما في ذلك الأخدام، الذين يزيد عددهم عن 3.5 مليون نسمة. وبعد 60 عامًا من الثورة، لم يتحقق الهدف الذي ينص على إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات؛ بل تعمق أكثر على مدى السنوات الثماني الأخيرة. وتتأثر نساء هذه الفئة بعدد من الانتهاكات كالتحرش والاغتصاب والعمل القسري وحتى القتل.
رسائل ضحية اعتداء قائم على اللون
أكثر من أربعة سنوات مرت على قضية الطفلة رسائل، ولم يتم القبض على أحد، لأن أصحاب النفوذ يحمون الجناة ويعرقلون معاقبتهم. وقد اتهم الاتحاد الوطني للمهمشين السلطات الأمنية والقضائية في تعز بالتواطؤ مع الجناة الذين اغتصبوا الفتاة البالغة من العمر 17 عامًا.
يقول أبن عم الطفلة المغتصَبة هيثم سيف مقبل: "اجتمع النفوذ القبلي والسياسي والقضائي معًا في اغتصاب الطفلة المهمشة في أكثر من مرة وخلف ستار عباية الدولة، وزج بي بالسجن المركزي لإجباري على التنازل."
ويضيف: "تعرضنا للتهديد والضرب والتهجير أكثر من مرة من قبل الجناة وأهاليهم للضغط علينا حتى نتنازل عن القضية مستغلين وضعنا الاجتماعي. وتقدمتُ بشكوى إلى إدارة الأمن في المحافظة، لكنهم لم ينصفونا، حتى وصل الاعتداء إلى الاعتداء على الشاهد في القضية وعلى المحامين."
وبخصوص القضية، تقول محامية الطفلة المغتصبة سميرة نبيش: "اغتصبت رسائل من قبل خمسة متنفذين وقضيتها ثبتت بالتقرير لواقع حال الاغتصاب. وأقر أحد المتهمين بالواقعة ضده وضد باقي المتهمين."
وتصف بعض القبائل في اليمن الخادمة بأنها (حلاوة سيدها)، تعبيرًا عن النظرة الدونية لهذه الفئة من النساء، والاعتقاد بأنهن ملك لأصحابهن، ومباح لهن فعل ما يشاءون بهن.
أحد الأسباب الرئيسية لعدم إدانة أو مساءلة الأشخاص الخمسة المتهمين في قضية الرسائل حتى الآن هو نفس النظرة الدونية للنساء المهمشات.
تصاعد جرائم الاغتصاب
ارتفعت جرائم الاغتصاب التي تطال الفتيات القاصرات من فئة المهمشة في اليمن. وتستمر هذه الظاهرة المقلقة وسط صمت وإهمال من قبل السلطات الأمنية والقضائية، ويظل الفتيات دون حماية والمجرمين بدون عقاب. أحدث هذه الحوادث الذي أثار الاهتمام كان مقتل الطفلة مها البالغة من العمر 14 عامًا في عدن، جنوب البلاد. قتلت على يد مغتصبها بعد أن قاومته، كما كشف التقرير الطبي الشرعي.
من بين هذه الحوادث التي أثارت انتباه الرأي العام كان مقتل الفتاة مها، التي كانت تبلغ 14 عامًا، في منطقة عدن بجنوب اليمن. تمت جريمتها على يد مغتصبها بعد مقاومتها، وهذا تم الكشف عنه من خلال تقرير الطب الشرعي.
وتنفرد هذه القضية بسرعة المحاكمة، وصدر حكم الإعدام على الجاني، وهو في الخمسينيات من عمره، في الجلسة الأولى.
بالحديث عن الإفلات المتكرر للمغتصبين من المحاكمة، يقول الحذيفي إن تزايد جرائم الاغتصاب من فئة المهمشين في إلى غياب الدور العقابي، وأكد أن الجناة يضمنون الإفلات منه.
وأضاف: "كلما تغاضت السلطة عن القيام بدورها المنوط بها، مع مراعاة الجوانب الاجتماعية للضحايا من جميع فئاتهم وانتماءاتهم، ومراعاة قدرتهم على الوصول إلى المحاكمة عادلة، فلا شك أن معدل جرائم الاغتصاب سوف ترتفع في هذه الفئة."
وأشار الناشط الحقوقي صلاح دبوان أن النساء المهمشات المهمشات لا يتمتعن بالحق في الأمان. ويعاني العديد منهن من حالات العنف والإجهاد الجسدي والاضطهاد النفسي، كالاغتصاب والتحرش، وغياب العدالة بسبب الانحياز لمرتكبيه الذين ينتمي معظمهم إلى القبائل.
عنف الشارع
على أحد الأرصفة في وادي القاضي بمدينة تعز، تقضي سهى (اسم مستعار) البالغة من العمر 13 عامًا نهارها في جمع الريالات القليلة التي يرميها لها المارة عليها.
التقيت بها لتخبرني عن تجربتها مع التحرش: "تفاجأت في إحدى المرات بشائب يتحرش بي، وحاول استدراجي إلى مكان ما. خفت وصرخت في الشارع وقلت لمن كان بالقرب مني أن الرجل يؤذيني لكنه أنكر ذلك وقال "تصدقوا امرأة خادمة"، وتحملت أنا الغلط."
يرتبط عنف الشارع في اليمن بالأنثى المتسولة والمهمشة على وجه الخصوص، ويعد التحرش بهن من أكثر التجاوزات بحق هذه الفئة، ذلك لأن أسلوب المتسولة هو "التذلل" للحصول على المال ويستغل المتحرش هذا الضعف، وتتعرض هنا المهمشات لعنف مضاعف قائم على اللون ما يعكس خلل نفسي لدى مجتمع عنصري.
يرتبط العنف في الشارع اليمني بالنساء المتسولات على وجه الخصوص، واللاتي يعشن حالة من الإهمال.
ويعد التحرش أحد أكثر أشكال الإساءة شيوعًا ضد هؤلاء النساء المتسولات، وذلك لأنهم يعتمدون على "التذلل" كوسيلة للحصول على المال، ويستغل المتحرشون هذا الضعف. ويتعرضن هؤلاء النساء المهمشات لعنف مزدوج يستند إلى عوامل مثل اللون.
يقول القيادي بحزب العدالة والمساواة محمد علي فارع: "نظرًا لسوء الوضع الاقتصادي لدى المهمشات، خرجت الكثير منهن إلى الشوارع للبحث عن لقمة العيش من خلال التسول. جعلن أنفسهن عرضة للتحرش الجنسي بشكل علني."
ويوضح فارع أن التحرش بالمهمشات منتشر على نطاق واسع، وأدى إلى جرائم كثيرة، منها الاغتصاب والقتل، وهذا نتيجة لما يخفي المجتمع من نظرة دونية وحقيرة لهم.
ووفقا لدراسة أجراها مركز صنعاء للدراسات والبحوث ينتشر التسول بين المهمشات ، ويعتبر عملا داخل مجتمعهن ودفعهن الصراع إلى الشوارع ، وأصبحت المهنة الرئيسة لمعظمهن. وقالت الدراسة أن امرأتان أو ثلاث في بعض الأسر يخرجن إلى التسول بسبب غلاء المعيشة الفاحش.
الاستغلال بالمساعدات
منذ اندلاع النزاع المسلح في مارس 2015 تعرضت النساء المهمشات في اليمن لمختلف أشكال الاستغلال، أبرزها ما يتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، من أجل الحصول على المساعدات الغذائية والإنسانية التي تقدمها المنظمات.
وتواجه النساء من هذه الفئة من قبل وسطاء الإغاثة "طلبات الجنس مقابل المساعدات"، حيث يستغل الرجال في مراكز السلطة سلطتهم لتحقيق تحرشات جنسية ضد النساء والفتيات، مقابل الحصول على سلع أو خدمات ضرورية للبقاء على قيد الحياة.
وينطوي هذا الوضع على مخاوف من عواقب رفض الطلب، فتلجأ النساء المهمشات إلى تجنب الحصول على الخدمات خوفًا من الاستغلال الجنسي.
(خ. م.) امرأة ثلاثينية ترعى أطفالها بعد اغتراب زوجها سببت حالتها هذه طمع لدى عاقل الحي المسؤول عن توزيع المساعدات الانسانية ، حيث لجأ الأخير إلى فكرة تقديم سلة غذائية ليستدرجها بعد أن أبلغها أن تذهب إلى مكان محدد للحصول على سلتها التي قد ضم اسمها في كشف المساعدات هناك، استجابت (خ. م) لنداء بطون أطفالها الجوعى وذهبت بالفعل لتكتشف أنها وقعت في كمين أعد لها في بيت خالية قاومت محاولة اغتصابها هناك ونجت بصعوبة، وأبلغت عن المعتدي لاحقا.
(خ. م.) هي امرأة في الثلاثينات من عمرها وتعيل أطفالها بمفردها بعد رحيل زوجها.وحاول أحد الأشخاص المسؤولين عن توزيع المساعدات الإنسانية في الحي الاقتراب منها وتقديم سلة غذائية لها. وأخبرها أن عليها الذهاب إلى مكان معين لاستلام سلتها، والذ تم إدراج اسمها في قائمة المساعدات هناك.
ومن أجل الحصول على طعام لأطفالها الجائعين، قررت (خ. م.) تلبية النداء وذهبت إلى المكان المخصص لاستلام سلتها. وبعد وصولها إلى هناك، اكتشفت أنها وقعت بالفعل في كمين في منزل مهجور. قاومت محاولة اغتصابها بشجاعة ونجت بصعوبة، ثم أبلغت عن الشخص الذي حاول الاعتداء عليها في وقت لاحق.
تؤكد الناشطة سعود غانم أن المهمشات يتعرضن لأبشع أنواع الاستغلال من خلال فخ المساعدات والسلال الغذائية، كونهن أكثر فقرًا، ويعشن ظروفًا اقتصادية صعبة، ويفتقرن للحماية الاجتماعية والقانونية.
وتضيف غانم أن حالات الاستغلال والتحرش تتزايد بين هذه الشريحة، خاصة مع الأزمة التي تمر بها البلاد، وعدم تفاعل المجتمع مع شكاوى المهمشات مقارنة بالتحقيق.
مساواة منصوصة في الدستور
نصت المادة (41) من الدستور اليمني على أن المواطنين متساوون جميعًا في الحقوق والواجبات العامة، إلا أن هذه المساواة ظلت على الورق فقط.
ونصت المادة (269) من قانون العقوبات: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات من اغتصب أي شخص، ذكراً كان أو أنثى، بدون رضاه."
شدّد القانون عقوبة الاعتداء الجنسي إلى السجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات إذا وقعت الجريمة من شخصين فأكثر، أو إذا كان الجاني أحد القائمين على الإشراف على المجني عليه، أو إذا أصيب المجني عليه بضرر جسيم نتيجة للحادث، أو إذا حملت الضحية نتيجة للجريمة.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على خمس عشرة سنة، إذا لم يبلغ سن المجني عليه الرابعة عشرة، أو إذا أدى الفعل إلى انتحار المجني عليه.
وتتساءل المحامية سميرة نبيش: "هل يجب أن يقتل المغتصب ضحيته ليتم ثبوت جريمة الاغتصاب ضده؟"
بالرغم من وجود نصوص قانونية في اليمن تؤكد المساواة وتحظر العنصرية، إلا أنها لا تكفل بشكل كافي حماية النساء المهمشات من الاستغلال والتحرش والاغتصاب، وذلك بسبب الفجوات في تنفيذ هذه القوانين.
مشاركة الخبر: