الرئيسية > أخبار اليمن
معاناة وأوجاع المواطن اليمني في زمن الحرب: انهيار الوضع الاقتصادي والتعليمي وغياب النظام الصحي
المهرة بوست - القدس العربي
[ الأحد, 23 أكتوبر, 2022 - 06:09 مساءً ]
تعد ثلاثية انهيار الوضع الاقتصادي والتعليمي وانعدام النظام الصحي من أكبر القضايا التي تواجه المواطنين اليمنيين والتي جلبت لهم المعاناة اليومية، منذ اندلاع الحرب اليمنية، نهاية العام 2014 بين القوات الحكومية وميليشيا الانقلابيين الحوثيين، وضاعفت من أوجاعه إطالة أمد الحرب، وانعدام الأفق أمام أي رؤية موضوعية للحل أو لأن تضع الحرب أوزارها عما قريب.
ثماني سنوات عجاف من الحرب الطاحنة أكلت الأخضر واليابس في اليمن، وانعكست آثارها السلبية على كافة مناحي الحياة وألقت بظلالها القاتمة والقاسية على المواطن اليمني بشكل مهول، دفعت به نحو حافة الفقر المدقع، وأخرجته من دائرة الموظف أو العامل المنتج، بعد ان خسر جميع وظائفه ووسائل دخله التي كان يعتمد عليها في الحصول على مصدر دائم لإعالة أفراد أسرته.
وانعكست آثار الحرب السلبية على كافة المصالح العامة والخاصة في الجوانب الاقتصادية والطبية والتعليمية والخدمية وغيرها، بسبب القصف والموجهات المسلحة وانعدام الأمان والسلامة، أو بسبب تشظّي المناطق والمحافظات اليمنية بين سلطة الحكومة الشرعية وسيطرة الانقلابيين الحوثيين، وكذا الانفصاليين الجنوبيين بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبين فيما ضاعت مصالح المواطن وخدماته في زحمة هذا التشظّي الإداري والانقسام السلطوي على الواقع.
وأصبحت معاناة المواطن وحقوقه المشروعة، مثار جدل، وصراع محتدم بين مختلف القوى المسيطرة على الأرض، والتي تستخدمها أوراقا تفاوضية، عند انعقاد أي جلسة مباحثات أو الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بينما لا يلمس المواطن أي نتائج عملية على أرض الواقع عقب انفضاض المباحثات أو ما يتم التوصل إليه من اتفاقات أو تفاهمات، ابتداء من اتفاق ستوكهولم، بشأن الوضع في مدينة الحديدة وانتهاء بالهدنة الإنسانية التي دخلت حيّز التنفيذ مطلع نيسان/ابريل الماضي.
مأساة انهيار الوضع الاقتصادي
انهيار الوضع الاقتصادي في اليمن مع اندلاع الحرب هناك، تعمّق تدريجيا مع تراكم المشاكل والمعوقات التي واجهت العملية الاقتصادية في البلاد، بدءا بالصراع على البنك المركزي اليمني بين الحكومة الشرعية وبين الانقلابيين الحوثيين، الذين سيطروا على المقر الرئيسي للبنك في العاصمة صنعاء، فيما اضطرت الحكومة الشرعية في العام 2016 إلى اتخاذ قرار بنقل عملياته البنكية إلى العاصمة الحكومية المؤقتة عدن، والتي لم تحل المشكلة الاقتصادية بقدر ما ضاعفت من حجمها وآثارها السلبية على استقرار الأسعار وعلى حياة المواطن بشكل عام.
وخلقت عملية نقل المقر الرئيس للبنك المركزي من صنعاء إلى عدن ثنائية مصرفية، حيث يمثل مقر البنك في عدن البوابة المصرفية اليمنية الرسمية أماما البنوك والمصارف الدولية، فيما ظل مقر البنك المركزي في صنعاء الواقع تحت قبضة الحوثيين يتلاعب بأسعار الصرف وقيمة العملية المحلية الريال حسب توجهات ورغبات جماعة الحوثي وليس على أساس اقتصادي حقيقي، وهو ما خلق تفاوتا كبيرا بين سعر العملة اليمنية الريال بين مناطق سيطرة الحوثيين والحكومة الشرعية، وكأنها عملة دولتين مختلفين، وخلقت ارباكا كبيرا للسوق المحلية وتعقيدا في عمليات البيع والشراء والتحويلات البنكية والمصرفية بين المدن اليمنية الواقعة تحت سيطرة الجانبين، حيث وصل سعر الدولار الأمريكي هذا الأسبوع إلى 1130 ريالا في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، بينما سعره ثابت عن سقف 560 ريالا في مناطق سيطرة الحوثيين.
وشمل انهيار الوضع الاقتصادي تعثّر مسار الحياة الوظيفية إثر انعدام الوظائف العامة والخاصة وانقطاع رواتب موظفي القطاع العام، إما بسبب الأزمة الاقتصادية لدى الجانب الحكومي أو بسبب رفض جماعة الحوثيين دفع الرواتب لموظفي القطاع العام في مناطق سيطرتها، في المحافظات الشمالية، وهي القضية الشائكة التي لم يستطع مبعوثو الأمم المتحدة إلى اليمن التوصل إلى حل لها، خلال فترات عملهم المتعاقبة، ابتداء بما تم التوصل إليه في اتفاق ستوكهولم نهاية 2018 والذي يقضي بإبقاء السيطرة على مدينة الحديدة في أيدي الحوثيين مقابل تخصيصهم عائدات ميناء الحديدة لدفع رواتب الموظفين، لكن لم يتم أي شيئ من ذلك، وانتهاء بالهدنة الإنسانية التي تم التوصل اليها مطلع نيسان/ابريل الماضي والذي يقضي أيضا بفتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات التجارية، والسماح بدخول السفن النفطية عبر ميناء الحديدة مقابل تخصيص الحوثيين عائدات النفط لدفع رواتب الموظفين، وكذا رفعهم الحصار عن مدينة تعز، ولكن أيا من ذلك لم يحصل حتى الآن.
وقال رئيس هيئة الكتاب الباحث السياسي يحيى الثلايا، «يكذب الحوثي ويخادع حين يطالب الحكومة الشرعية بصرف رواتب الموظفين الحكوميين التي قطعها هو عنهم في مناطق سيطرته، ولو أن الحكومة قررت من نفسها صرف الرواتب وتقديم الخدمات للناس فإنه سيمنعها بقوة وكل تعسف».
وأوضح أن «هذه هي الحقيقة الواضحة. فهم يدركون جيداً أن صرف رواتب الناس من قبل الحكومة يعني اعترافهم الكامل بشرعية الحكومة وتأكيدهم أنهم جماعة انقلابية وميليشيات وعصابة، ولذا فإن كل مطالباته بالرواتب هي مزايدات كاذبة».
وأشار إلى أنه قبل اتفاق ستوكهولم كانت النقاشات قد توصلت إلى حل غريب، وهو أن تلتزم جماعة الحوثي بتوريد عائدات جمارك ميناء الحديدة إلى فرع البنك المركزي في الحديدة ليتم صرفها كرواتب للموظفين، وتتكفل الحكومة الشرعية بدفع ما تبقى من الرواتب، ولكن بعد توقيع الاتفاق تراكمت في بنك الحديدة ايرادات مهولة تكفي لتغطية رواتب الموظفين وتزيد، وسال لعاب الحوثيين أمام هذه المليارات وانقلبوا هم على الاتفاق الذي أصروا عليه بقوة.
وأضاف «كان مطلوباً منه التنازل عن إيرادات ميناء الحديدة النفطية فقط، وهي لا شيء مقارنة بما يقبضونه من المليارات من عائدات الاتصالات والجمارك والضرائب والبنوك والأوقاف والزكوات والجبايات التي يتحصلونها دون تقديم أي خدمة للناس، لكنهم رفضوا، ونفس الأمر تكرر الشهر الماضي، حين قررت الحكومة دفع الرواتب فهربوا للرفض».
كارثة انهيار الوضع التعليمي
انهيار الوضع التعليمي في اليمن، ليس بسبب عمليات القصف والمواجهات المسلحة وانعدام الأمن والسلامة للعملية التعليمية فحسب، ولكن تمتد آثاره السلبية إلى ما هو أبعد من ذلك، ففي حين تراجع مستوى أداء العملية التعليمية كمّا وكيفًا في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، انهار بشكل كامل في مناطق سيطرة الحوثيين، شكلا ومضمونا، حيث أصبحت جماعة الحوثي تستخدم المدارس والجامعات أدوات لتجنيد الأطفال ومحاضن لـ«غسل دماغ» الأجيال القادمة، وتسميم أفكارها بمعتقداتها وأيديولوجيتها القائمة على الطائفية والعنصرية المذهبية التي تدّعي فيها «الحق الإلهي» في السلطة، وبقية الشعب مجرد خدم وعبيد لأسيادهم من جماعة الحوثي وممن يدّعون انتماءهم للسلالة الهاشمية.
وخلق هذا الوضع التعليمي المنهار مخاوف كبيرة لدى الآباء وبالذات في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تقوم جماعة الحوثي يتغيير مضامين المناهج الدراسية بما يتواكب وتوجهاتها الطائفية والذي يخلق أجيالا قادمة مشوّهة الفكر والمعتقد، بالإضافة إلى ما يقومون فيه بغرس مفاهيم العنف في عقول الأطفال باقناعهم على ضرورة حمل السلاح والزج بهم في جبهات القتال وهم ما زالوا دون سن البلوغ ويعرضونهم للخطر.
وأوضح الكاتب السياسي علي الفقيه ان جماعة الحوثي تدرك ماذا يعني الرمز بالنسبة للمجتمعات، وتهندس سياستها على هذا الأساس، كما تدرك أنها لا يمكنها صناعة رموز جديدة إلا بتغييب وطمس أي حضور للرموز القديمة من وسائل الإعلام، من كتب الدراسة، ومن إرشيف مراكز التثقيف والتنوير الرسمية، وقد باتت كل الإرشيفات الضخمة في صنعاء والمكتبات بأيديهم وتصرفوا بها.
وقال «قبل أيام، كنا نتحدث مع أحد الأصدقاء القادمين مؤخراً من صنعاء عن الكتب والمكتبات، وكان يخبرنا بألم أن المكتبات القديمة المعروفة اختفت وما بقي منها تغيرت واجهاتها». مشيرا إلى أنه تصدرت المكتبات كتب جديدة مختلفة لمؤلفين جدد أو ما تم إحياؤه من تراث التشيّع ومرجعيات الزيدية، وباتت كل الإصدارات هي عبارة عن منشورات توجيه معنوي، تسوق الفكر الطائفي وتروج لثقافة العنف والتعصب.
وأوضح أنه في ظل هكذا وضع «اختفى الوطن وحضرت الجماعة» في المناهج الدراسية ومراجع المكتبات العامة، حيث توارت «الهوية اليمنية» وكثّفوا ترويجهم لـ«الهوية الحوثية» التي يطلقون عليها «كذباً، الهوية الإيمانية» ليعملوا على عملية إحلال لها، والإيمان هنا في تعريفهم له هو «أن تكون مؤمناً بحقهم المطلق والحصري في الولاية وأن يكون زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي هو سيدك ومولاك وهو الممثل الشخصي لرسول الله».
وأصبح اليمنيون في مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين يواجهون صعوبة بالغة في «حماية عقول أبنائهم من القصف الذي يتعرضون له ليل نهار من وسائل الإعلام ومن المدارس ومن المساجد ومراكز التعبئة» على حد تعبير الفقيه، وهو تحد كبير ومعاناة لا تقل عن التحديات الاقتصادية والمعاناة المعيشية التي يجابهها المواطن بشكل يومي في اليمن منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 أيلول/سبتمبر 2014.
إلى ذلك كشف تقرير حقوقي لمنظمة رايتس رادار لحقوق الإنسان عن تسبب الحرب في إبعاد أكثر من مليوني طفل عن مدارسهم، تم تجنيد بعضهم واستخدامهم في الحشد العسكري خلال الصراع المسلح منذ ثماني سنوات، وبالذات من قبل جماعة الحوثي.
انعكاسات انهيار المنظومة الطبية
وتسبب الحرب في انعكاسات خطيرة على وضع الخدمات الصحية، أسفرت عن انهيار شبه تام للمنظومة الطبية بشكل عام في البلاد، نتج عنها ارتفاع حاد في نسبة الوفيات، إما بسبب شح الأدوية والأدوات الطبية، أو بسبب خروج الكثير من المستشفيات والمرافق الطبية عن الخدمة، أو بسبب قلة الكوادر الطبية ومغادرة الكثير منها للبلاد، بحثا عن السلامة والأمان، أو بسبب ندرة الوقود والطاقة الكهربائية في المستشفيات والمرافق الطبية، بالإضافة إلى ضعف أو انعدام الرقابة الحكومية على الخدمات الطبية ومدى التزامها بالحد الأدنى من المعايير الدولية.
وتسبب تردي وضع الخدمات الطبية مؤخرا كارثة صحية في العاصمة صنعاء، تسببت الأسبوع الماضي في وفاة العشرات من الأطفال الرضّع، حديثي الولادة، بسبب حقنهم بأدوية غير مطابقة للمواصفات والمقاييس الطبية، حيث لا تخضع المرافق الطبية هناك والعاملون فيها للمعايير الطبية وإنما لمعايير الولاء لجماعة، وهو ما أسفر عن وقوع هذه الكارثة دون حسيب أو رقيب.
وطالبت منظمات حقوقية يمنية الخميس بفتح تحقيق دولي عاجل في وفاة وإصابة عشرات الأطفال المصابين بمرض السرطان في مستشفى يخضع لسلطة جماعة الحوثي في العاصمة صنعاء بعد إعطائهم أدوية منتهية الصلاحية.
وقالت ثلاث منظمات حقوقية هي منظمة سام للحقوق والحريات والمركز الأمريكي للعدالة ومنظمة جسور، في بيان مشترك لها إنه «ينبغي على المجتمع الدولي لا سيما منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وكافة الجهات الدولية ذات الصلة فتح تحقيق دولي وعاجل في تداعيات وفاة وإصابة عشرات الأطفال المصابين بمرض السرطان داخل أحد المشافي الخاضعة لسلطة جماعة الحوثي، بعد إعطائهم أدوية منتهية الصلاحية وفاسدة».
وأقرّت وزارة الصحة التابعة لجماعة الحوثي بوفاة 10 أطفال على الأقل جراء ذلك وقالت في بيان لها الخميس الماضي ان «19 طفلاً حُقنوا بأدوية مهربة ومنتهية الصلاحية، توفي منهم 10 في مستشفى الكويت».
وأكدت المنظمات الحقوقية ارتفاع عدد الوفيات من الأطفال المصابين بالسرطان إلى 20 طفلا حتى مساء الخميس وأن 30 طفلاً لا يزالون في العناية المركزة، نتيجة حقنهم بالدواء الذي صرفته وزارة الصحة التابعة لجماعة الحوثي.
وكانت المنظمة اليمنية لمكافحة الإتجار بالبشر، كشفت في وقت سابق عن وفاة عشرات الأطفال من مرضى السرطان في صنعاء أواخر شهر أيلول/سبتمبر الماضي، حيث أوضحت المنظمة أن وزارة الصحة والسكان في حكومة الحوثيين قامت بصرف جرعات علاجية منتهية الصلاحية بعد أن تم تزييف تاريخ الصلاحية ما أدى إلى وفاة عشرات الأطفال المصابين بالسرطان.
وقال حسام اليافعي المسؤول في منظمة جسور «إن ما حدث يعد جريمة تمس الأمن الصحي لكل يمني، وإن صمت جماعة الحوثي عن هذه الجريمة يضع أكثر من علامة استفهام حول دورها ومسؤوليتها، حيث تكشف هذه الجريمة مدى خطورة الوضع الصحي في اليمن، خاصة فيما يخص ذوي الأمراض الاستثنائية كالسرطان والفشل الكلوي، وغيرها من الأمراض المستعصية، والذي أصبحت جماعة الحوثي مشكوك في إدارتها لهذا الملف الصحي، خاصة بعد تسربات صحافية أظهرت قيام جماعة الحوثي ببيع المساعدات الطبية من أدوية ومستلزمات طبية في السوق السوداء، أو يتم تخزينها حتى تتلف ثم يقومون بتعديل تاريخ صلاحيتها وإعادة توزيعها على المستشفيات العامة وهذا ما يُرجح حدوثه في مستشفى الكويت بصنعاء».
مشاركة الخبر: