الرئيسية > تقارير
الثورة السورية بعامها الثامن.. رمال متحركة
المهرة بوست - الجزيرة نت
[ السبت, 17 مارس, 2018 - 01:25 صباحاً ]
في مثل هذه الأيام وقبل سبع سنوات، خرج عشرات السوريين يحملون أرواحهم على أكفهم ويهتفون بالحرية والكرامة على أنغام الربيع العربي ورياح التغيير التي هبت من أرياف تونس مرورا بميادين مصر، وتخلقت ثورة عارمة في أكثر من بلد عربي، لا تقنع بغير اقتلاع أنظمة ظلت عقودا تحصي أنفاس مواطنيها وتزج بأولي العزم منهم في أقبية السجون.
وبين مارس/آذار 2011 ومارس/آذار 2018، جرت مياه كثيرة في نهر الأزمة السورية؛ حيث تحولت الاحتجاجات التي بدت سلمية مطالبة بالحرية والكرامة إلى ثورة عارمة، ثم إلى صراع مسلح، ثم إلى صراع إقليمي ودولي يوشك ربما أن يتحول إلى حرب عالمية جديدة.
وعدا عن ذلك، تسببت هذه الحرب في مقتل أكثر من نصف مليون حتى الآن وفق أرقام الأمم المتحدة، وتشريد أكثر من نصف السكان، وتدمير غالبية المدن السورية، وأصبحت البلاد ساحة حرب مفتوحة إقليميا ودوليا.
رمال عسكرية متحركة
ويبدو الواقع الميداني اليوم بعد سبع سنوات من الصراع المرير أشبه برمال متحركة تكاد تبتلع الجميع، مع ميل الكفة عسكريا لصالح قوات النظام -دون اقتراب من الحسم- بفضل دعم حلفاء الأسد وفي مقدمتهم روسيا وإيران وحزب الله.
ويمكن إجمالا تلخيص صورة الوضع العسكري الميداني حاليا فيما يأتي:
- قوات النظام: أصبحت قوات النظام -بعد سبع سنوات من الصراع المسلح تغيرت فيها الموازين وخرائط السيطرة بين الأطراف من عام إلى آخر- تسيطر على نحو نصف مساحة البلاد، تزيد قليلا أو تنقص قليلا.
وتظهر خرائط السيطرة العسكرية المتحركة في سوريا أن قوات النظام تمكنت في الفترة الماضية من السيطرة على مناطق ظلت لفترة طويلة بيد المعارضة، مثل مدن حلب وحمص وداريا والزبداني، بحيث أصبحت تسيطر على أكثر من نصف المدن السورية، ولكنها في المقابل عجزت عن اختراق مناطق أخرى، حيث ما زالت معارك الغوطة المحاصرة على أشدها، وما زال حي جوبر في ضواحي دمشق عصيا منذ ست سنوات.
- قوى الثورة: سيطرت قوى الثورة في السنوات الأولى منها على أجزاء واسعة من البلاد، ومالت إليها الموازين العسكرية في فترات عديدة؛ ولكن المساحة التي سيطرت عليها تقلصت إلى نحو 13% من مساحة البلاد أو قد تزيد قليلا على ذلك، بما فيها إدلب التي ما زال النظام فيها خارج المعادلة العسكرية، ودرعا التي تعد معقلا لأكبر فصائل الجيش الحر، كما أن أغلب مناطق محافظة حماة وريف حمص ما زالت بيد المعارضة.
- قوات سوريا الديمقراطية: ومن مفارقات المشهد أن أحد آخر الأطراف انخراطا في المشهد العسكري -وهو قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وتشكل أبرز مكوناتها وحدات حماية الشعب الكردية- باتت الآن تحتل المرتبة الثانية بعد النظام، بعد سيطرتها على ربع مساحة البلاد (نحو 24%) بما فيها محافظتا الحسكة والرقة ومعظم محافظة دير الزور. وبسيطرتها على هذه الرقعة الجغرافية أصبحت أغلب حقول النفط والغاز في سوريا بقبضة هذه القوات التي تدعمها الولايات المتحدة الأميركية.
ووفقا لذلك فإن معظم مناطق شمال سوريا وشرقها ومنطقة الجزيرة توجد حاليا خارج سيطرة النظام، ومعظمها تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فيما تتسع سيطرة الجيش الحر المدعوم من تركيا في إطار عملية غصن الزيتون.
- تنظيم الدولة الإسلامية: تراجع حضور تنظيم الدولة في سوريا وأصبح تقريبا خارج اللعبة العسكرية، ولم يعد يسيطر إلا على نحو 8% من مساحة البلاد الإجمالية، من ضمنها أجزاء من البادية السورية وبعض المناطق الحدودية مع العراق.
مسارات في الأفق
يصعب التكهن بمآلات الصراع في سوريا بحكم تعقيداته وتشابكاته المختلفة، ويمكن إجمالا الحديث عن السيناريوهات التالية في الفترة القادمة:
- الحسم العسكري: يسعى أنصار النظام السوري وحلفاؤه للترويج باستمرار لخلاصة مفادها أن قطار الحسم قد وضع على السكة، وأن تطورات العامين الماضيين بما حملته من خسائر مريرة لقوى المعارضة وتقدم في أكثر من جبهة لصالح النظام وحلفائه، يشي بأن لحظة نهاية الحرب قد اقتربت، والواقع أنها ما زالت بعيدة ونائية رغم مكاسب النظام وخسائر المعارضة.
ورغم أن روسيا استطاعت في السنتين الأخيرتين تغيير قواعد اللعبة في سوريا لمصلحتها ولفائدة النظام عسكريا وسياسيا، مستفيدة من تراجع أميركا وعدم اهتمامها بالملف السوري، فإن الإستراتيجية الأميركية الجديدة بالعودة بقوة إلى سوريا وإقامة عدة قواعد هناك تهددان بنسف المكاسب الروسية برمتها.
ومع التطورات الأخيرة، لم تعد موسكو تخفي تخوفها من تقويض مكاسبها في سوريا، خاصة مع الموقف الغربي الأخير المشترك بشأن الغوطة الشرقية والتهديد بضرب النظام إذا ثبت استعماله للكيميائي، وربما يحصل ذلك دون إثبات، وهو ما يهدد هيبة روسيا وموقعها في سوريا ومصالحها كلها، وهي بذلك سعت إلى الزج بكل وسائل ردعها العسكرية لثني الغرب عن ذلك.
ولعل التموضع الأميركي الجديد وما أطلقته واشنطن من تصريحات وإشارات ذات دلالات عسكرية بالغة، يشي بأنها حسمت أمرها لصالح الدخول القوي في الساحة السورية وكسر احتكارها للحلف الروسي الإيراني؛ خصوصا بعد أن أدركت أن الحضور الفاعل والمؤثر ميدانيا وسياسيا للروس في سوريا لا يبعدها عن التأثير في الملف السوري فحسب، بل يهدد بشطب نفوذها التقليدي أو تحجيمه بالحد الأدنى في منطقة الصراع الأهم في العالم (الشرق الأوسط).
ولعل قصف الولايات المتحدة قبل أسابيع رتلا عسكريا من مليشيات داعمة للنظام السوري في دير الزور وقتل عشرات من المرتزقة الروس فيه، وما سبق ذلك من إسقاط مقاتلين من المعارضة المسلحة طائرة روسية مقاتلة من طراز سوخوي 25 من خلال صاروخ محمول على الكتف -قالت مصادر روسية في وقت لاحق إنه أميركي- مثّل رسالة واضحة من واشنطن إلى موسكو بأن عهد الاستفراد بالميدان السوري قد ولى.
غير أن محللين رأوا أيضا في إسقاط طائرة حربية إسرائيلية من طراز أف 16 -الأميركية الصنع- الشهر الماضي، رسالة روسية إلى أميركا وإسرائيل لا تخرج عن دائرة الصراع وتبادل الرسائل التي تعددت في الآونة الأخيرة.
ويشكل الضغط الغربي الحالي على الروس والنظام في الغوطة الشرقية -وإن ظل في دائرة محدودة ولم يتدحرج نحو حالة أقوى تفرض وقفا للانتهاكات والمجازر والحصار هناك- يندرج ضمن المساعي الأميركية الرافضة لحسم الأوضاع في سوريا لصالح النظام وحلفائه.
وحتى مع افتراض التوصل إلى حسم عسكري، فالمؤكد أن الأزمة التي بدأت سياسية لن تنتهي إلا بحلول سياسية مرضية للذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم طيلة السنوات الماضية.
الاتفاق السياسي: ورغم مساعي الروس لترجمة المكاسب الميدانية إلى تفاهمات سياسية تنهي الأزمة وتعيد المياه إلى مجاريها، عبر سياقات أستانا وسوتشي واتفاقات خفض التصعيد التي جاءت كلها بالتوازي مع مسار جنيف وجولاته العقيمة؛ فإن الحل السياسي يبدو بعيد المنال في ظل تحول الأزمة إلى صراع عالمي، وتحول سوريا إلى ساحة للصراع بين الكبار إقليميا ودوليا، فضلا عن عمق الأزمة وعذاباتها وما خلفته حتى الآن من جروح غائرة ومميتة في الجسم السوري.
- استمرار دون حسم: ومع استبعاد خياري الحسم العسكري والحل السياسي، تتجه الأمور نحو انزلاق الأزمة إلى حرب واسعة طويلة الأمد تعمّق المأساة السورية إلى مدى غير مسبوق، وهو ما سيزيد من استنزاف كل الأطراف الإقليمية والدولية ويزيد من ورطتها، وربما يمثل ذلك أحد أهداف إطالة الأزمة وعدم السماح برسو سفينتها واستوائها على جودي الحل طيلة السنوات السبع العجاف الماضية.
مشاركة الخبر: