الرئيسية > تقارير
سقطرى.. عام على انقلاب واحتلال مليشيات الإمارات بتواطؤ سعودي وسط صمت وتخاذل الشرعية (تقرير خاص)
المهرة بوست - تقرير خاص
[ السبت, 19 يونيو, 2021 - 03:50 مساءً ]
في الـ 19 من يونيو 2020، كانت جزيرة سقطرى اليمنية، على موعد مع انقلاب مليشاوي تزعمته مليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي وخططت ودبرت له الإمارات، بصمت وتواطؤ سعودي.
الحكومة الشرعية حينها قالت إن ما حصل في سقطرى "انقلاب مكتمل الأركان"، ومنذ ذلك الحين تعطلت مؤسسات الدولة وتوقفت رواتب الموظفين، وازدهرت الأزمات، بما فيها أزمة المواد الغذائية والمشتقات النفطية، والكهرباء.
رغم ردود الفعل الغاضبة من قبل أبناء سقطرى واليمنيين عامة، نتيجة الانتهاكات التي تمارسها الإمارات بحق السيادة اليمنية والسيطرة على الجزيرة سقطرى، إلا أنها لم تتوقف عن الانتهاكات في الأرخبيل، فعملت على تكتيم الحريات والزج بكل من يعارضها في السجون والمعتقلات.
ليس هذا فحسب بل سعت أبو ظبي إلى فصل الجزيرة عن إدارة الدولة، وأنشأت قواعد عسكرية، وسيرت رحلات جوية لخبراء وسواح اجانب بتأشيرات إماراتية، دون علم الحكومة الشرعية.
إسقاط سقطرى
تصدرت مليشيا المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا مشهد الانقلاب في جزيرة سقطرى الواقعة على بعد 60 ميلاً شرق القرن الأفريقي، وأكبر جزيرة في الأرخبيل اليمني، في 19 يونيو من العام الماضي.
المليشيات تمكنت بمساندة التحالف السعودي الإماراتي من إسقاط المقرات الأمنية والمعسكرات في الأرخبيل، واستحدث نقاط تفتيش في مداخل مدينة حديبو عاصمة المحافظة وسيطرت تماما على الجزيرة مساء يوم السبت 20 يونيو 2020.
غادرت السلطة المحلية الشرعية الجزيرة ممثلة بالمحافظ رمزي مروس، الذي قال حينها إن "أهالي سقطرى تعرضوا لخذلان وصمت مريب ممن كان ينتظر منهم النصرة والمؤازرة"، في إشارة إلى خذلان السعودية.
دور سعودي
دخلت قوات الواجب السعودية جزيرة سقطرى عام 2018، وذلك عندما تراجعت الإمارات خطوات إلى الخلف بعد التصعيد السياسي من جانب الحكومة اليمنية في الأمم المتحدة.
القوات السعودية وما تسمى بـ"قوة الواجب السعودية" أنشأت شبكة اتصال خلوية خاصة بها، واحتكرت السيطرة العسكرية على الأرخبيل، وشرعت في تفكيك القوة العسكرية التابعة للسلطة الشرعية ممثلة في اللواء الأول مشاة بحري، حيث ساهمت بمساعدة الانتقالي على اجراء تمردات داخل كتاب اللواء والاستيلاء على الأسلحة، بما فيها دبابات ومدرعات، وذخائر، ولم تكتفِ بذلك بل سمحت للإمارات بإدخال كميات كبيرة من الأسلحة والمقاتلين، لينتهي المطاف بالسيطرة على اللواء من قبل مليشيا الانتقالي والسيطرة الكاملة على جزيرة سقطرى.
غضت السعودية الطرف عن هذا الانقلاب وعن الدعوات الحكومية ومناشدات مسؤولين وبرلمانيين يمنيين، بإعادة الوضع في سقطرى إلى ما كان عليه قبل 19 يونيو 2020، لتذهب في الحديث عن تنفيذ اتفاق الرياض المتعثر، والذي كان من المفترض أن يطبق أولا في سقطرى، بانسحاب مليشيا الانتقالي وعودة السلطة الشرعية.
زيارة غامضة
متحدث التحالف السعودي الإماراتي "تركي المالكي" زار جزيرة سقطرى نهاية أبريل الماضي، بطريقة مفاجئة وغير معلنة، وغادر الأرخبيل بعد ثلاث أيام من الزيارة دون أن يكشف عن تفاصيل وهدف الزيارة.
لكن وزير الثروة السمكية السابق فهد كفاين، قال إن زيارة ناطق التحالف والذي وصل بصحبة وفد عسكري، هدفها حل الإشكالية الناتجة عن انقلاب الانتقالي على مؤسسات الدولة في أرخبيل سقطرى.
وأفاد كفاين، أن "هناك رغبة مشتركة للإسراع بعودة الوضع إلى طبيعته في أرخبيل سقطرى، وعودة الدولة والسلطة المحلية وتفعيل مؤسسات الدولة، وذلك بعد أن تفاقمت الأزمة هناك وأدت إلى انهيار أمني ومعيشي وخدماتي".
كذلك اعتبر الوزير السابق وصول وفد التحالف إلى سقطرى بمنزلة "رسائل من الجانب السعودي بالسعي لحل الإشكالية في الأرخبيل بعد تصاعد المطالبات المحلية بالإيفاء بالالتزام بما تعهدت به السعودية في هذا الصدد".
لكن خبراء وسياسيين يمنيين أبدوا امتعاضهم من هذه الزيارة الغامضة التي لم يُكشف عن طبيعتها، مرجحين بأنها قد تحمل أهداف توسعية احتلالية في الأرخبيل.
تغييرات بعد الانقلاب
أدوات الإمارات في جزيرة سقطرى أجرت تغييرات شاملة في مؤسسات الدولة، شملت تعيينات جديدة في المناصب القيادية والإدارية في جهاز الشرطة، وإدارة الهجرة والجوازات والأحوال المدنية وإدارة شرطة السير والنجدة والدفاع المدني وخفر السواحل ومدير وأمن الميناء والبحث الجنائي وإدارة التوجيه المعنوي بالمحافظة، واستبدلت ذلك بقيادات جديدة تابعة لها.
وبعد ذلك، ذهبت الإمارات ومليشياتها في المجلس الانتقالي، إلى فرض نظام البصمة على سكان سقطرى، بعد تطبيقها على الأجهزة الأمنية والعسكرية.
إلا أن هذه الإجراءات، لاقت رفضا من قبل أبناء سقطرى واليمنيين، فيما وجه محافظ سقطرى رمزي محروس، الوحدات الأمنية والعسكرية في المحافظة، بعدم التعامل أو التنسيق مع ما تسمى بـ "لجنة البصمة" المنتحلة لصفة الضبطية والبصمة التابعة للإمارات.
أكد محروس أن "هذه الإجراءات التي تتم دون تنسيق مع الجهات العسكرية والأمنية، تعد ضمن الإجراءات الانقلابية والتمرد على الدولة الشرعية والسعي للحصول على المعلومات العسكرية والأمنية وإخضاع الأفراد والتحكم بهم دون وجه حق أو قانون".
رفض شعبي
نتيجة الانتكاسات والاحداث المليشاوية في الأرخبيل، والتي تسببت بتردي الأوضاع المعيشية وخلقت أزمات عدة، بعد انقلاب مليشيا الانتقالي، ظهرت كثير من الأصوات من أبناء سقطرى تعبر عن رفضها للتواجد الإماراتي ومليشياتها وعودة السلطة الشرعية.
وفي نهاية مارس الماضي، أعلن عدد من مشايخ ووجهاء سقطرى عن إشهار لجنة اعتصام سقطرى، كمكون وطني لإنقاذ الجزيرة مما وصلت إليه، من تردي في الأوضاع المعيشية والأمنية.. حيث دشنوا حفل اشهار لجنة اعتصام سقطرى، والتي حملت أهدافا عدة منها: عودة السلطة الشرعية ومؤسسات الدولة، ورفض الاحتلال الإماراتي ومليشياته لسقطرى، كذلك أكدت وقوفها ضد القوات الخارجية المحتلة للأرخبيل.
هذا العمل السلمي، قُوبلَ بعمل عسكري شنيع من قبل مليشيا الانتقالي في الجزيرة، حيث داهمت حفل اشهار اللجنة واعتقلت قيادة الاعتصام وزجت بهم في السجون، وبعد ضغوطات شعبية وقبلية واسعة جرى الأُفراج عنهم.
لم تتوقف مليشيا الانتقالي عن هذه الممارسات واستمرت في عملية المداهمة للبيوت واعتقال كل من يعارضها.. حيث أقدمت على اقتحام مكتب شيخ مشايخ سقطري عيسى بن سالم بن ياقوت، في أبريل الماضي، وأغلقت البوابة بأقفال خاصة بها، دون أي مسوغ قانوني.
وفي 1 يونيو الجاري، اعتقلت مليشيا الانتقالي الملازم أول سعيد الدعية ركن تدريب الشرطة العسكرية بمحافظة أرخبيل سقطرى، كما اعتقلت في الثامن من ذات الشهر، الناشط السقطري عبدالله بدأهن، بعد نشره صورا على صفحته في الفيسبوك، تؤكد وجود قاعدة عسكرية بالقرب من مدرج مطار سقطرى.
أفرجت المليشيات عن الناشط عبدالله بدأهن، بعد ثلاث أيام من الاعتقال، واشترطت منه تبرئة أبو ظبي مقابل الافراج عنه، بنفي ما نشره عن وجود قاعدة عسكرية يتواجد داخلها هنجرات للمروحيات الصغيرة والمتوسطة والكثير من العتاد ويشرف عليها إماراتيون وعدد من الخبراء الأجانب من مصريين وجنسيات أخرى، بالإضافة إلى عدد من الشباب من أبناء سقطرى ممن تم تدريبهم في أبوظبي.
الناشط عبدالله بدأهن، أكد في صفحته على فيسبوك، بعد خروجه من المعتقل، أن قيادات الانتقالي طلبت منه نفي المعلومات التي نشرها سابقاً بخصوص وجود مواقع إماراتية يجري إنشائها في سقطرى، مشيرا إلى أنه رفض رفضا تاما نفي هذه المعلومات، مالم يتوفر لديه الدليل الكافي بعدم وجود ذلك.
ولفت بدأهن إلى أنه جرى استدعائه بواسطة شيخ قبيلته إلى ديوان المحافظة لحضور اجتماع ما يسمى باللجنة الأمنية (قيادات الانتقالي) في سقطرى، وطلبوا منه النزول بمعية القيادات العسكرية والأمنية التابعة للانتقالي إلى المواقع التي ذكرها وذلك للتأكد من صحة الخبر أو عدمه.
وأشار الناشط السقطرى، إلى أنه تمكن من النزول إلى أحد المواقع برفقة قيادات الانتقالي للاطلاع على بعض التفاصيل، لكنه لم يتمكن زيارة مواقع أخرى، وذلك بسبب عدم التنسيق المسبق مع مشرفي الموقع.. مؤكدا أنه سيواصل النزول إلى تلك المواقع وسينشر النتائج عبر صفحته الشخصية، إلا أنه لم ينشر أي تفاصيل أخرى على الحادثة حتى وقت نشر هذا التقرير.
هذه الانتهاكات جزء بسيط مما تمارسه مليشيا المجلس الانتقالي (أدوات الإمارات)، بحق أبناء جزيرة سقطرى من اعتقالات متكررة ضد قيادات وناشطين رافضين للتواجد الإماراتي بالأرخبيل وما خلفه من أزمات نتيجة سياسته الاستعلائية الاحتلالية.
أزمات مفتعلة وانعدام تام للمشتقات النفطية
تشهد جزيرة سقطرى اليمنية، أزمات عدة ومفتعلة يتجرع ويلاتها المواطن، شملت الكهرباء والمياه والمواد الغذائية، وأبرزها أزمة المشتقات النفطية والتي انعدمت خلال الأيام الأخيرة الماضية تماما من الأرخبيل، نتيجة السياسية التي تمارسها الإمارات.
مصدر محلي في جزيرة سقطرى، أكد لـ"المهرة بوست"، أن "الأرخبيل تشهد أزمات متكررة في المشتقات النفطية، منذ انقلاب مليشيا الانتقالي في يونيو من العام الماضي، مشيرا إلى أن حدة هذه الأزمة اشتدت منذ أربعة أشهر.
قال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، خوفا من مضايقات أدوات الإمارات، إن "مليشيا المجلس الانتقالي رفضت السماح لسفينة العيسي من التعشيق في ميناء الزيت في العاصمة المؤقتة عدن، لشحن المشتقات وارسالها الى الجزيرة، ما خلف أزمة خانقة في المشتقات".
وأكد أن "أبو ظبي وعن طريق أدواتها في سقطرى، أقدمت على منع المحطات التابعة للتاجر العيسي، عن العمل بهدف تشغيل محطة آدنوك الإماراتية، التي تتبع مؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية".
وأوضح المصدر لـ"المهرة بوست"، أن "محطة آدنوك لم تلتزم بدوام معين، مشيرا إلى أنها تقوم بفتح المحطة لساعتين أحياناً او خمس ساعات في اليوم وتعلق باقي الأوقات، وهو ما تسبب بطوابير كبيرة للسيارات".
يقول المصدر، "رغم هذا تقوم المحطة الاماراتية بتعبة سيارة كل مواطن ٤٠ لتر فقط، مشيرا إلى أنها لا تكفي خاصة لأبناء الأرياف التي تبعد طريقهم عن العاصمة حديبو ما يزيد على 100 كيلو متر".
سياسية أبو ظبي دفعت البعض للذهاب الى السوق السوداء لشراء المشتقات النفطية بأسعار خيالية، حيث بلغ سعر اللتر البنزين خمسة آلاف ريال يمني، وفوق هذا اختفت تماما من السوق السوداء خلال الأيام القليلة الماضية، بحسب المصدر المحلي.
يختتم المواطن السقطري حديثه لـ"المهرة بوست"، وهو يعتصر آلماً مما وصل إليه الوضع في الأرخبيل بالقول: "تخيل ما يترتب من هذه الأزمات من معاناة للمواطنين.. هناك مرضى في أرياف سقطرى تقطعت بهم السبل، ولم يستطيعوا السفر لتلقي العلاج، وهناك مواطنون توقفت أعمالهم بسبب الأزمة".
السيطرة على الاتصالات والكهرباء
عملت وتعمل الإمارات على توسيع شبكة اتصالات التابعة لها في سقطرى على حساب الاتصالات اليمنية، حيث تقوم وبشكل مستمر في إنشاء ابراج اتصال دون العودة للسلطات المحلية الرسمية.
أصبحت السيادة الإماراتية في قطاع الاتصالات هي المسيطر الوحيد في ظل عجز شركة يمن موبايل عن تغطية 20%من مساحة الجزيرة بينما تغطي الشبكة الإماراتية ما يصل الى 85%من المساحة الجغرافية، بحسب مصدر محلي.
كذلك الكهرباء، باتت الإمارات المتحكم الوحيد فيها خاصة بعد احتلالها للمحطة الرسمية التابعة للدولة ونهب محتوياتها بحماية من مليشيا المجلس الانتقالي والقوات التي تدعمها.
استطاعت أبو ظبي التحكم بشبكة الكهرباء، وسعت إلى فرض عدادات إلكترونية بنظام الدفع المسبق على عدد من شرائح المجتمع وبدأت مرحلتها بشريحة المستأجرين ومن تصفهم بالأجانب أي الملاك من أبناء المحافظات اليمنية الأخرى، وهو ما اعتبره أبناء سقطرى، تمزيق للنسيج الاجتماعي ونشر وتغذية العنصرية في المحافظة.
إلى أين تمضي سقطرى؟
كانت جزيرة سقطرى اليمنية، في يونيو من العام الماضي، على موعد مع انقلاب مليشاوي تزعمه المجلس الانتقالي الجنوبي وخططت ودبرت له الإمارات بتواطؤ وصمت سعودي، حتى وقعت الجزيرة في قبضة الإمارات.
عمل هذا الانقلاب على تعطيل مؤسسات الدولة وتوقيف رواتب الموظفين، فيما سعت أبو ظبي إلى فصل الجزيرة عن إدارة الدولة، وأنشأت قواعد عسكرية، سيرت رحلات جوية لخبراء وسواح اجانب بتأشيرات إماراتية، دون علم الحكومة الشرعية.
أمام كل هذا يبقى المواطن السقطرى بين رفضه لهذه الاجراءات الاحتلالية من جهة، وعلى أمل في عودة السلطة الشرعية وتفعيل مؤسسات الدولة من جهة أخرى، لانتشال أبناء الجزيرة من بين الازمات وانتهاكات الإمارات.
مشاركة الخبر: