الرئيسية > تقارير
كيف أفسدت الإمارات الشرق الأوسط بدعم من واشنطن؟
المهرة بوست - تقرير
[ الأحد, 05 يوليو, 2020 - 01:47 مساءً ]
عندما انتهى عهد "معمر القذافي"، بعد 42 عاما من الحكم، وسط انتفاضة شعبية جرى دعمها عسكريا من قبل الولايات المتحدة في عام 2011، كان الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ينظر إلى ما حدث في ليبيا بوصفه نشاطا أمريكيا مدمرا وتخريبيا، يهدف إلى الإطاحة بالقادة السلطويين الراسخين.
وكان رهاب "بوتين" من أن "الثورات الملونة"، التي ظهرت قبل عقد من الزمان، قد بدأت تجتاح الشرق الأوسط في ذلك الوقت. ولم يكن ذلك يرهب "بوتين" حده، لكنه كان يتشارك تلك الرهبة مع رجل آخر، يصفه البعض اليوم بأنه "أقوى حاكم عربي"، وهو ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد آل نهيان".
وبعد مرور 10 أعوام على الثورات العربية، برزت الإمارات باعتبارها أكبر قوة معادية للثورات، وحليف روسيا الأكثر موثوقية في المنطقة، في الوقت الذي شرعت فيه الولايات المتحدة في عملية تغيير جذري لشكل مشاركتها الإقليمية، من التدخل المباشر إلى القيادة عن بعد.
وبالتالي، فإن الشراكة المعززة بين الكرملين وولي العهد الإماراتي ليست وليدة الصدفة، وليست قائمة على العوامل الجيوسياسية، ولكنها تقوم على الرؤية المشتركة للمنطقة في ظل الفراغ الذي خلفه غياب القيادة الأمريكية.
وفي حين أن واشنطن بدأت في الانسحاب من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالفعل في عهد "أوباما"، فإنها أبقت على مسحة من القيادة الأخلاقية للمنطقة خلال حقبة الربيع العربي.
ومع ذلك، عندما أصبح عبء التحول في المنطقة خلال "الشتاء العربي" أكثر من أن تتحمله الولايات المتحدة مع اغتصاب مكاسب الثورات من قبل المعادين لها، وهو دفع واشنطن لتفويض رعاية سياستها الإقليمية إلى السلطات المحلية، وعلى الأخص الإمارات، التي لم يكن مشروعها المعادي للثورات في المنطقة يوافق الصورة التي تروجها واشنكن لنفسها بوصفها الراعي الأبرز للحريات في العالم.
الرواية الإماراتية
وبدلا من رواية الديمقراطية الأمريكية، نمت الرواية الإماراتية التي تعزز نموذجا اجتماعيا وسياسيا يقوم على "الاستقرار الاستبدادي"، الذي سمح لإمارة في حجم مدينة مثل أبوظبي بتجاوز حجمها واستغلال ثقلها المالي في تشكيل تحالفات وشبكات مع القوى والأحزاب والمسؤولين الذين يعارضون قيم التعددية والليبرالية والعدالة الاجتماعية.
وفي ليبيا اليوم، تغلبت شبكات الإمارات، وتعاونها الاستراتيجي والتشغيلي الوثيق مع الكرملين على قيادة الولايات المتحدة. وفي غياب استراتيجية أو سردية واضحة لواشنطن، وضع كل من "بن زايد" و"بوتين" ثقلهما وراء النظام الإقليمي القديم.
وبالرغم من المكاسب التشغيلية الأخيرة التي حققتها تركيا، لا يزال "بوتين" و"بن زايد" يتحكمان في السردية التي روجتها "أبوظبي" بعناية حول "بعبع" الإرهاب الإسلامي الناشط في ليبيا، وهو سرد يهدف إلى تثبيط الحشد المدني والمجتمعي الداعم للثورة.
ويرى كل من "بوتين" و"بن زايد" المجتمع المدني على أنه مخرب بطبيعته، وهما يريان حرية الفكر والتعبير على أنها تهديدات استراتيجية لأمن النظام ما لم تكن خاضعة لسيطرة الدولة.
ويفهم كلاهما أن المظالم القائمة، التي حشدت الليبراليين الأوائل ضد الأنظمة القديمة، يجب أن يتم إعادة توجيهها بعيدا عن الأنظمة الفاشلة والحكم القمعي.
والآن، تحاول الرواية الإماراتية الإشارة إلى الإسلاميين والثوريين على أنهم هم السبب الجذري لكل الشرور في هذه المنطقة التي يمزقها الصراع.
وتقوم الرواية الإماراتية أيضا على استبدال الإرادة للإصلاح الاجتماعي والسياسي، لتحل محلها الوطنية والقومية المفرطة، واستبدال الدين كـ"أفيون للشعوب" لصالح "العلمانية اللا مبالية".
وفي الجوهر، يرى كل من "بوتين" و"بن زايد" الدولة كمؤسسة مقدسة، حيث يكون الخضوع للقيادة السياسية أهم من الإخلاص لله.
وفي الواقع، لا تبتعد فكرة الزعيم الإله عن قناعات السلفيين المدخليين، الذين يعملون جنبا إلى جنب مع روسيا والإمارات في ليبيا، فهم يخضعون بشكل أعمى لأي سلطة سياسية، لأنهم ينظرون إلى الثورة والتمرد بوصفها "خطايا" غير مسموح بها.
عودة النظم القديمة
وفي القلب من أفكار موسكو وأبوظبي، تقبع رغبة ملحة في العودة إلى دول ما قبل الثورات في العالم العربي، حيث تتحكم المحسوبية السياسية في خيارات الجماهير، وحيث تقتصر حرية الرأي على المساحات الخاصة بين جدران المنازل، في حين يبقى الجال العام ساحة فارغة لعزف ألحان النظام.
وبعد مرور 10 أعوام على هبّة الشعوب في العالم العربي، لم ترَ معظم الجماهير في ليبيا ومصر واليمن وسوريا إنجازاتها تتراجع فحسب،لكنها انقلب بشكل كلي، حيث تحول حلم العدالة الاجتماعية إلى كابوس لانعدام التعددية وكبت الحريات المدنية.
وفي ليبيا، بنى "بوتين" و"بن زايد" دولة بوليسية ذات قاعدة عسكرية في الشرق حول شخص الجنرال المثير للجدل "خليفة حفتر". وفي مصر، تدعم الإمارات وروسيا "السيسي" الذي يعتمد على القمع كأداة وحيدة للاستقرار بعد أعوام من عدم اليقين في ظل الثورة.
وفي اليمن، تعمل أبوظبي بشكل منهجي على تقوية المجلس الانتقالي الجنوبي، وهي مجموعة من الانفصاليين الذين يديرون معسكرات تعذيب لصالح الإمارات، بينما يغتصبون الحكم من الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، بدعم من روسيا التي أقامت علاقات مع المجلس مؤخرا.
وفي الأشهر الأخيرة، مدت الإمارات يدها إلى "بشار الأسد" في سوريا، أقدم وكيل لروسيا في المنطقة.
وفي سبيل تمهيد الطريق للتطبيع مع النظام السوري، تنظر أبوظبي إلى "الأسد" كشريك في مكافحة "الإرهاب" والإسلام السياسي، وهي تستغل الموالين للنظام السوري، المدعومين من "بوتين"، للقتال كمرتزقة لدعم العمليات الإماراتية في ليبيا.
يبدو إذن أن ما يتم تشكيله على رماد إرث أمريكا في المنطقة هو شراكة قائمة على وحدة الأفكار بين دولتيْن يديرهما مستبديْن لا يشتركان فقط في المصالح، ولكن الأهم من ذلك يشتركان في القيم والأيديولوجيات التي تتعارض مع تلك القيم التي روجت لها الولايات المتحدة لعقود.
ومن وجهة نظر أبوظبي، قد تكون هذه الشراكة مع موسكو أكثر استدامة من علاقاتها مع واشنطن، حيث أصبحت الولايات المتحدة شريكا غير موثوق به وغير متوقع للإمارات في أعقاب غزو العراق في عام 2003.
وكان من السذاجة أن يظن صناع القرار في واشنطن أن تفويض قيادة الشرق الأوسط إلى الإمارات في أماكن مثل ليبيا أو اليمن، كان يمكن أن يسفر عن أي نتائج جيدة تتوافق مع قيم التعددية التي تدعي واشنطن أن تمثلها.
المصدر | أندرياس كريج - ريسبونسيبل كرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد
مشاركة الخبر: