الرئيسية > تقارير
تاريخ السينما اليمنيَّة .. سيرة تختصر تاريخ البلاد السياسي والاجتماعي
المهرة بوست - وكالات
[ الاربعاء, 18 أبريل, 2018 - 02:30 مساءً ]
نسردُ في هذا النص، تاريخ السينما اليمنيَّة، وتأثرها بالأحداث السياسية الكبرى في منطقة الخليج العربي، وخصوصاً التدخّل السعودي الذي أثّر سلبًا على الانفتاح في اليمن.
"كانت أيّاماً فقيرةً وسهلة / حتى عندما تراكمت الخيبات/ وصرنا كثيراً ما نمسك الرفيق كارل ماركس بذقنه الكث/ ونعاتبه مثل أيِّ شيخ مسلم (الله المستعان) / بعدها أيضاً/ كانت أيّاماً سهلة". هذه مقاطع مُختارة من قصيدة طويلة للشاعر والروائي اليمني علي المُقري. المقيم حالياً في باريس بعد أن ضاقت عليه الحياة في اليمن. لكنها في الوقت ذاته، وهي القصيدة المكتوبة في الزمان الماضي السهل الجميل، تبدو جاهزة لبيان الحال الذي صارت إليه الحياة المدنية في اليمن وفي صنعاء على وجه الخصوص، وانعكست على السينما.
عصر النهضة الصنعانية
منذ نهايات سبعينيات القرن الماضي، كانت الحياة الاجتماعية مفتوحة ولم يكن النقاب قد هجم على نساء صنعاء. لو أخذنا مثالاً يربطنا بموضوع السينما في اليمن فسيكون حال جامعة صنعاء وكلية الآداب في تلك الأيّام. لقد كانت جامعة مفتوحة على الجمال، حيث غالبية الطالبات يحضرن إلى ساحة الكليات بلا حجاب وبتنانير أو بناطيل من الجينز ولا يجدن أحداً يمنعنهن من الدخول إلى أماكن دراستهن. لقد كانت حالة من التسامح وجغرافيا صالحة لحدوث حالة مدنية خالصة تتيح إقامة حفلات ورحلات مختلطة مع انعدام لوقائع التحرّش من أي نوع كانت. لقد سمح هذا المجال لاستضافات عروض فنية وفتح قاعات الجامعة الكبرى لتنظيم مهرجانات الأسابيع السينما العربية والأوروبية. كانت قاعة "الزعيم جمال عبد الناصر" بحسب تسميتها في كلية الآداب بصنعاء تفتح شاشتها بين فترة وأُخرى لواحدة من تلك الأسابيع السينمائية التي كانت مساحة لعرض أحداث نتاجات تلك الدول المُشاركة. هذا إضافة لقاعة المركز الثقافي اليمني بمساحته وكراسيه الكثيرة، وقاعات العرض السينمائية في المراكز الثقافية المُلحقة بسفارات الدول العربية والأجنبية التي كانت مفتوحة في صنعاء على الرغم من محدودية المساحة التي كانت تبيحها للجمهور العاشق للشاشة الكبيرة.
وكي لا يبدو الأمر هنا محصوراً بحالات نخبوية بين ضفتي جامعة ومراكز ثقافية لم تكن مُتاحة للجمع بحكم محدودية المساحة التي كانت تمتلكها. يمكن الانطلاق هنا للحديث عن أربع صالات سينمائية رئيسية بقيت مفتوحة إلى وقت قريب من نهاية العام 1993. صالتان حديثتان تحت إشراف شركة استثمار كويتية. سينما حدة وسينما خالدة. لهما التصميم نفسه والإدارة نفسها. شاشة واحدة في كل صالة لكن بفيلم مختلف في كل شاشة، فيلم حديث ولا يتم تغييره إلا بعد تناقص نسبة العيون التي تأتي لمشاهدته، كما يحدث اليوم في أي سينما محترمة في العالم. نوعية الأفلام المعروضة تقترب من نوعية الأعمال النخبوية المُشاركة في المهرجانات السينمائية الدولية. صالتان على مستوى عال من الأناقة والنظافة والنظام.
وعلى الرغم من ارتفاع سعر تذكرة الدخول (كانت وقتها 12 ريالا، ما يوازي 4 دولارات) مقارنة بالصالات الشعبية الأُخرى. إلا أن الكراسي كانت محجوزة في الغالب، ومن اللازم أن يسعى الراغب في العرض أن يحجز له أو لأهله أو زوجته بوقت سابق. ( ينبغي الانتباه هنا إن هذا الحديث عن صنعاء في زمن الثمانينات، حيث كانت غالبية الدول العربية لا توجد بها صالات سينمائية محترمة أو صالات سينمائية من الأساس). من جهة أخرى، كان هناك سينما في قلب صنعاء (سينما بلقيس) وأُخرى في أطرافها (السينما الأهلية). نوعية من الصالات التي تتماشى مع الذوق الشعبي. أفلام هندية ومصرية ولبنانية من تلك النوعية التي يقف على رأسها عادل إمام وسعيد صالح ونادية الجندي وإغراء وسميرة توفيق وأحمد الزين وكل ما له علاقة بأفلام الحركة. لقد كانت "بلقيس" و"الأهلية" مساحة مفتوحة للناس العاديين من أجل أن يجدوا لأنفسهم فسحة للترويح عن ذواتهم وبمقابل زهيد يناسب قدراتهم (كان سعر التذكرة ريالان فقط)، لكن مع بقاء حالة النظافة والتنظيم وبقاء مسألة الدخول مُتاحة للجنسين بلا وجود لأي حالات تحرش أو إيذاء.
لقد كانت الحياة سهلة.
ماذا حصل!
لقد حصلت حرب الخليج في عام 1990. طردت السعودية أكثر من مليون يمني من أراضيها وعادوا إلى بلادهم الأصلية. لم يعودوا وحدهم، لقد عاد بعضهم منهم محملاً بثقافة متشددة من المكان التي كبروا فيه. ومن بينهم من كان قد ذهب إلى أفغانستان فعلاً في أيّام "الجهاد" ضد الاتحاد السوفييتي القديم. حينها وجد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح أمام أقسى الاحتمالات الواجب عليه مواجهتها: الدخول في وحدة مع جنوب اليمن، لكن في الوقت نفسه التحالف مع الجماعات الإسلامية، كما ومحاولة التصالح مع السعودية من خلال التربيط مع تلك الجماعات الجهادية المرتبطة بها، في محاولة للتكفير عن ذنبه حين وقف مع احتلال الكويت. لقد كان مُجيداً في اللعب على كل الأوراق. لقد كانت لعبته الأثيرة. وبدأت الخطوة الأولى عبر التصعيد الإعلامي الديني، من خلال خطباء المساجد، ضدّ "شاشات الرذيلة" وضرورة مقاومة المجتمع لها. خطوة تلتها خطوات كبيرة باتجاه تشويه صورة السينما في عقل الناس. الخطوة الثانية كانت إجبار أصحاب تلك القاعات السينمائية على بث مقاطع من أفلام بورنو خلال عرض الأفلام الأصلية. قصاصات منزوعة من أفلام أُخرى. لقد كانت حيلة ناجحة في جلب تلامذة المدارس لتلك الصالات. وحيلة أيضاً في طريقة إثارة الناس على الصالات نفسها أكثر وأكثر. لقد صارت مفردة "الصعلوك" لصيقة بأي واحد يذهب إلى دار الشاشة الكبيرة. نجحت العملية على نحو ما في تشويه صورة السينما. لكن حين لم تنجح المسألة على نحو كلّي كان من الواجب السماح لجماعة "أفغان اليمن" التي عادت من السعودية إلى صنعاء بتدبير عملية تفخيخ في صالة واحدة من تلك الفضاءات فلم يعد الناس يذهبون إليها. الحياة أهم من الشاشة. لقد بقت صالة واحدة، هي السينما الأهلية، لكنها تحوّلت لعروض أفلام هندية عبر "برجوكتر" لعرض أفلام هندية حديثة، وغاب وقتها دولاب الشريط السينمائي. حالياً، صارت الصالة مفتوحة لراغبي حضور مباريات الدوري الإسباني.
مشاركة الخبر: