الرئيسية > أخبار اليمن
دراسة: مستقبل الصراع في اليمن بعد "انسحاب" القوات الإماراتية
المهرة بوست - المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة
[ الثلاثاء, 16 يوليو, 2019 - 06:12 مساءً ]
أعلنت الإمارات العربية المتحدة في 8 تموز/ يوليو 2019 عزمها تخفيض وإعادة نشر قواتها في اليمن، لتتحول، كما قالت، من استراتيجية "القوة العسكرية أولًا" إلى استراتيجية "السلام أولًا".
وقد أثار القرار الإماراتي تساؤلاتٍ حول تداعياته الميدانية، ومصير التحالف العربي الذي انكمش إلى دولتين: السعودية والإمارات، ومستقبل الصراع في اليمن بين حكومة السلطة التي تعدُّها الأمم المتحدة شرعية، ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي، وسلطة الأمر الواقع في صنعاء، ممثلة بحركة أنصار الله (الحوثيون).
حجم القوات الإماراتية ومناطق تمركزها
تقدّر بعض المصادر حجم القوات الإماراتية التي شاركت في حرب اليمن منذ انطلاق العملية العسكرية "عاصفة الحزم"، في 26 آذار/ مارس 2015، بنحو خمسة آلاف جندي[1]، تتمركز داخل قواعد عسكرية ومراكز قيادة وتدريب خاصة بها، في عدة مناطق ساحلية، تقع على خليج عدن والبحر الأحمر، فضلًا عن قاعدة صرواح التي تقع في محافظة مأرب شمالًا، وهذه القواعد هي: البريقة (عدن الصغرى) التي تعدّ المركز الرئيس للقوات الإماراتية في اليمن[2]، والريان (مطار الريان في المكلّا) بمحافظة حضرموت (الساحل)، وبلحاف في محافظة شبوة، والمخاء (ميناء) في محافظة تعز، والخوخة بمحافظة الحُديدة. في حين تنتشر مجاميع محدودة العدد من القوات الإماراتية في مناطق مختلفة من عدن، ولحج، وشبوة، وحضرموت، والمهرة، ومناطق من الساحل الغربي[3].
تبيّن الخريطة تمركز القوات الإماراتية في اليمن حتى 1 تموز/ يوليو 2019، وتظهر فيها جزيرة سقطرى في المحيط الهندي التي أقامت فيها الإمارات ثكناتٍ عسكرية، على الرغم من خلوها من أي نشاط عسكري للحوثيين.
خريطة مناطق انتشار القوات الإماراتية ومراكز قيادتها في اليمن
انتشار القوات الإماراتية ومراكز قيادتها في اليمن |
المصدر: وحدة الدراسات السياسية.
القوات العسكرية والأمنية الداعمة للوجود الإماراتي
يتمثل دور القوات الإماراتية في القيادة والسيطرة على التشكيلات المسلحة التي أنشأتها ودعمتها في أثناء المعارك مع الحوثيين في المحافظات الجنوبية، خلال عامَي 2015 و2016، حيث غدت هذه القوات ركيزة أساسية للاستراتيجية الأمنية الإماراتية في اليمن[4]. كما برز دور القوات السودانية في معارك الساحل الغربي، إلى جانب تشكيلات مسلحة أخرى أنشأتها الإمارات لهذا الغرض، وأطلق عليها في ما بعد اسم "القوات المشتركة"[5]، وفي ما يلي تفصيل أهم هذه التشكيلات[6]:
1- قوات الحزام الأمني
تشكيلات أمنية جنوبية تنتشر في محافظات عدن، ولحج، وأبين، والضالع. ويشارك عدد منها في النسق الثاني للقوات المهاجمة في الساحل الغربي، مثل اللواء 20، واللواء الثالث دعم وإسناد. وتعد "قوات الإسناد والدعم" الكيان الجامع لقوات الحزام الأمني، وغيرها من ألوية الدعم والإسناد، إلا أن مسمّى "قوات الحزام الأمني" طغى على مسمّى "قوات الإسناد والدعم"؛ بفعل النشاط الميداني البارز لقوات الحزام.
1- قوات النخبة
وهي تشكيلات عسكرية جنوبية خالصة، يطلق على ما ينتشر منها في محافظة حضرموت الساحل "النخبة الحضرمية"، وعلى ما ينتشر منها في محافظة شبوة "النخبة الشبوانية". وقد فشلت محاولات تشكيل قوات النخبة في محافظة المهرة وجزيرة سقطرى؛ وظلت مرتبطة بقوات الحكومة الشرعية.
3- القوات المشتركة
مّة قوات أخرى يطلق عليها اسم "كتائب أبي العباس"، نسبة إلى مؤسسها وقائدها أبي العباس، عادل عبده فارع، وكانت حتى أواخر نيسان/ أبريل 2019 تسيطر على أحياء من مدينة تعز، وتمارس أدوارًا سلطوية موازية لسلطات الحكومة الشرعية[8]، ثم دمجت، ماليًا وإداريًا، ضمن اللواء 35 مدرع، وأعيد نشرها في منطقة الكدحة شمال غرب مدينة تعز، بعد مواجهات عنيفة مع قوات حكومية، في نيسان/ أبريل 2019.
طبيعة انسحاب القوات الإماراتية وأسبابه
على الرغم من الإعلان المفاجئ عن تقليص القوات الإماراتية وإعادة نشرها في اليمن، لم يُرصد حتى الآن تغيير ملموس في وضع هذه القوات، خلا ثلاثة مواقع في المحافظات الشمالية؛ تسلّمت الإشراف عليها قوات سعودية، في صرواح في مأرب، وفي مدينة (ميناء) المخاء والخوخة على البحر الأحمر، ونشرت فيها بطاريات دفاع جوي "باتريوت"[9]. وقبل ذلك بأسبوع، تسلّمت قيادة قوات خفر السواحل بعدن جزيرة بريم (ميُّون) الواقعة في باب المندب.
في حين لا تزال القوات الإماراتية المرابطة في المحافظات الجنوبية في قواعدها، على الرغم من نقل الدبابات المتمركزة في ميناء عدن إلى مركز القيادة الإماراتي في منطقة البريقة[10]. وبناء على ذلك، يمكن وصف ما حدث، حتى الآن، تخفيضا في عدد القوات وإعادة تموضع وفق خريطة جديدة، طرفاها البارزان: السعودية والإمارات، أمْلتها مصالح مشتركة، وظروف داخلية وإقليمية، أدت دورًا في اتخاذ هذا القرار، ومن هذه الظروف:
-التوتر الذي يسود منطقة الخليج بفعل تصاعد الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران، وما رافقه من تعرّض أربع ناقلات نفط لعمليات تخريبية، قبالة سواحل
- إمارة الفجيرة، في 12 أيار/ مايو 2019، وإسقاط الإيرانيين طائرة أميركية من دون طيار، يُعتقد أنها انطلقت من قاعدة عسكرية إماراتية[11]. وقد يكون استهداف هذه السفن حفّز الإمارات على مراجعة سياستها المتشدّدة تجاه إيران وحلفائها الحوثيين، خوفًا من تداعيات أي مواجهة محتملة على اقتصادها الذي يعتمد كليًا على ظروف الاستقرار في المنطقة[12].
- وجود تفاهمات سعودية - إماراتية لاقتسام النفوذ في اليمن، بحيث يتركّز نفوذ الإمارات في مناطق يمنية بحرية، ترتبط بأمنها ومصالحها الاقتصادية، خصوصا في الجنوب وباب المندب.
- غياب أي أفق لحل الصراع مع الحوثيين، بعد تعثّر تطبيق اتفاق ستوكهولم[13].
- تصاعد الضغط الدولي لوقف الحرب في اليمن، وتنامي الانتقادات للدورين السعودي والإماراتي بسبب المآسي الإنسانية التي يتسبب بها استمرار الصراع.
- تصاعد الرفض الشعبي والرسمي اليمني تجاه الإمارات؛ نتيجة لممارساتها الداعمة لقوى الانفصال، وتقويض سلطة الشرعية.
- تفضيل الإمارات اللجوء إلى استراتيجية الدعم غير المباشر، بوصفها الخيار الأسلم والأقل تكلفة، بما يعفيها من الاستمرار في تحمّل مزيد من الخسائر المادية والعسكرية والسياسية، فضلًا عن اطمئنانها إلى حلفائها الداخليين، للقيام بالدور الميداني بالوكالة، وتفرّغها للإشراف من بعد، مع بقاء القوات المكلّفة بمحاربة الإرهاب من دون أي تغيير[14].
تداعيات الانسحاب الإماراتي
يمكن تحديد أبرز التداعيات المتوقعة لانسحاب القوات الإماراتية من اليمن، في ما يلي:
1. التداعيات على الصعيد الميداني
نتيجة اعتماد قوات الحزام الأمني وقوات النخبة، الشبوانية خصوصا، على الدعم الإماراتي؛ فقد يتأثر موقفها الميداني أمام أي هجوم يشنّه الحوثيون على مناطق انتشارها في لحج والضالع. ولكن مقدار الأثر سيعتمد على مدى استمرار مشاركة الطيران الحربي الإماراتي في التغطية الجوية. قد يظهر الأثر الأوضح في مناطق
الشمال (الجوف، وصعدة، وحجة، ومأرب، والبيضاء، والحديدة، وتعز) نتيجة تضاعف الأعباء على السعودية، بعد إخلاء القوات الإماراتية مواقعها في مأرب والساحل الغربي (الحديدة وتعز). ويزداد هذا الموقف حرجًا بفعل ما يعانيه الجيش اليمني من نقصٍ في الأسلحة الثقيلة؛ حيث لم يمكّن التحالف جيشَ الحكومة الشرعية من الحصول على حاجته من الدبابات، والمدفعية الصاروخية، فضلًا عن الطائرات[15].
وقد تمكنت قيادة الجيش في السلطة الشرعية من وضع يدها، جزئيًا، على القوات المشتركة في الساحل الغربي، ويمكن التوقع أن تعود جبهة صرواح في مأرب إلى سابق عهدها، بعدما غادرتها القوات الإماراتية؛ حيث كانت في عهد قائدها اللواء عبد الرب الشدادي، الذي قُتل في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، من أنشط الجبهات، مع كونها إحدى البوابات المتوقعة للدخول إلى صنعاء.
2. التداعيات على التحالف السعودي – الإماراتي
قد يضع هذا الانسحاب السعودية في مواجهة منفردة أمام الحوثيين؛ ما يُضعف موقفها، أو يؤدي، في نهاية المطاف، إلى إذعانها لمطالبهم بوقف الحرب، والدخول في عملية سلام مباشرة[16]، وقد يتأثر الأداء الاستراتيجي للعمليات الجوية والبحرية السعودية، مع غياب الشريك الإماراتي الذي لن تتمكّن السعودية من إيجاد بديل إقليمي لتعويض غياب دوره. وفوق هذا كله، ستزيد أو تتضاعف التكلفة المادية للمواجهة المنفردة على عاتق السعودية، إذا ما أصرّ الحوثيون على مواصلة الحرب، في إطار استراتيجيتهم "النفس الطويل"، وتركيز هجماتهم على المدن والمراكز الصناعية، والنفطية، ومصادر توليد الطاقة، في جيزان، وعسير، ونجران، ومناطق أخرى في العمق، واستمرار إيران وحزب الله في دعمهم، خصوصا في مجال الصواريخ الباليستية، والطائرات من دون طيار.
خاتمة
مثّلت القوات الإماراتية المشاركة في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن ثاني قوةٍ فاعلة بعد القوات السعودية، منذ عام 2015. ومنذ الوهلة الأولى، ركزت الإمارات على مدينة عدن، الميناء التاريخي الشهير، والسواحل الممتدة على خليج عدن والبحر الأحمر، والجزر الاستراتيجية، مثل جزيرتَي بريم (ميّون) وسقطرى. ولذلك كان تمركز قواتها في هذه المناطق، خلال سنوات الحرب الماضية، في محاولةٍ لإحداث تكاملٍ مع وجودها في الساحل الأفريقي المقابل.
كانت الأهداف المعلنة للتحالف تتمثل في "إعادة السلطة الشرعية، ودحر الانقلابالحوثي"؛ ولكن الاستراتيجية الإماراتية جاوزت ذلك بإنشاء مليشيات مسلحة مستقلة عن السلطة الشرعية ودعمها، وبعضها مليشيات انفصالية، وبعضها محلية قبلية، وبعضها سلفية مدخلية، وأخرى بقيادة أمراء حرب.
وقد تحولت هذه المليشيات إلى عائق آخر أمام عودة الشرعية، فتوترت العلاقات بالرئيس عبد ربه منصور هادي، واستطالت الحرب، حتى تحولت إلى كارثة إنسانية، دفعت الإمارات إلى الانسحاب بهدوء من بعض مناطق تمركزها، خصوصًا في الشمال.
لن يؤدي هذا الانسحاب، على الأرجح، إلى وقف الحرب قريبًا، وإن كان سيثقل كاهل السعودية؛ نتيجة لتضاعف تكاليف وأعباء المواجهة عليها، وتحمّلها ذلك منفردة، وقد يتجاوز هذا التأثير إلى اتساع دائرة التباين في المواقف والمصالح بين الدولتين الحليفتين.
مشاركة الخبر: