سعيد الشهابي
العفو الدولية تدين الإمارات بانتهاك حقوق الإنسان
[ الثلاثاء, 17 يوليو, 2018 ]
اذا كان «القمع الخشن» من قبل انظمة الاستبداد ممارسة عادية في اوقات التوتر والصراع السياسي الشديد او الحراك الشعبي الواعد بالتغيير، فان «القمع الناعم» من قبل هذه الانظمة لا يتوقف على مدار الساعة.
فالتعذيب الممنهج يمارس على نطاق واسع بشكل علني عندما يتعرض النظام السياسي الحاكم في الدول الديكتاتورية للاحتجاج او الرفض الشعبي، وتتلاشى المشاعر الإنسانية لدى هؤلاء الحكام ويتحول الواحد منهم إلى شيطان قاس ليس في قلبه مكان للرأفة او الرحمة.
وهذا ما شهدناه في بلدان عربية عديدة، ابتداء بمصر مرورا بالبحرين ووصولا إلى السعودية والامارات. حدث القمع الخشن علنا على نطاق واسع في مصر والبحرين على وجه الخصوص في الاعوام التي اعقبت ثورات الربيع العربي في العام 2011، وأدى لاعتقال عشرات الآلاف من النشطاء، والتنكيل بهم بلا رحمة.
ثم تراجعت خشونته وعلنيته ليصبح ممارسة روتينية تحت تدريب خبراء أجانب ما يزالون يعملون على نطاق واسع. وفي الاسبوع المقبل سيكون هناك نقاش علني في البرلمان البريطاني حول «الدعم» الذي تقدمه بريطانيا لحكومة البحرين في مجال الامن، بعد ان استطاع نشطاء حقوق الانسان الحصول على وثائق تؤكد تخصيص موازنات مليونية لذلك «التدريب».
البريطانيون يقولون ان خبراءهم الامنيين يقومون بتدريب ضباط الامن والمحققين لكي يصبحوا «اكثر احتراما لحقوق الانسان» و «أكثر التزاما بالمواثيق الدولية التي تمنع سوء المعاملة».
ولكن التجربة تقول ان التعذيب في سجون البحرين لم يتوقف يوما. وهناك من افادات النساء المعتقلات في الشهور الاخيرة ما يؤكد ممارسة المسؤولين الامنيين الذين دربهم الخبراء البريطانيون ابشع وسائل التعذيب ومنها اغتصاب النساء.
في الاسبوع الماضي دعت منظمة العفو الدولية لاجراء تحقيق مستقل في ممارسات القوات الاماراتية في اليمن، خصوصا معاملة المعتقلين في سجون عدن.
واتهمت المنظمة الإمارات والقوات اليمنية المتحالفة معها بتعذيب محتجزين في شبكة من السجون السرية بجنوب اليمن، مطالبة بالتحقيق في هذه الانتهاكات التي تصفها بأنها جرائم حرب.
وقالت أن عشرات الأشخاص تعرضوا «للاختفاء القسري» بعد «حملة اعتقالات تعسفية» من جانب القوات الإماراتية وقوات حكومة هادي منصور. وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية 13 حالة احتجاز تعسفي على مدار العام، واحتُجز بعض هؤلاء المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي، وتعرض بعضهم للاختفاء القسري.
وفي 27 إبريل/نيسان، قبضت قوات حكومة هادي على العلامة والسياسي البارز مصطفى المتوكل بشكل تعسفي في مأرب. ولا يزال محتجزاً بدون تهمة. واتهمت المنظمة الاطراف الاخرى في اليمن بانتهاكات وتجاوزات حقوقية.
وفي الشهر الماضي اعتبرت منظمة العفو الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان الحكم بالسجن على الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور «ضربة قاسية لحرية التعبير».
وكانت محكمة استئناف أبو ظبي قضت بسجن منصور عشر سنوات، وتغريمه مبلغ مليون درهم إماراتي، وأدانته بالتشهير بالإمارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وهناك سجناء رأي آخرون مثل محمد الركن، بالاضافة للعشرات الذين سحبت جنسياتهم وأبعدوا إلى بلدان قاصية مثل تايلاند.
وتكشف دعوة العفو الدولية للتحقيق في الاداء الحقوقي لدولة الامارات عمق القلق الذي يساور المنظمات الحقوقية الدولية ليس بسبب سادية ضباط الامن في دول مثل مصر والامارات والبحرين والسعودية فحسب، بل بسبب ما يبدو من تواطؤ غربي مكشوف مع حكومات هذه البلدان.
هذا التواطؤ لا ينحصر بالدعم السياسي والمادي فحسب، بل تؤكد شهادات الضحايا انه تواطؤ يهدف لاخفاء جرائم التعذيب. وذكر بعض النشطاء ان توجيهات الخبراء الامنيين الغربيين تشمل ما يلي:
- أولا منع وفاة اي شخص تحت التعذيب الذي يجب ان يتوقف قبل ان يموت الضحية،
- ثانيا ان يتم انكار وجود التعذيب في كل الحالات، وعدم الاعتراف بوقوعه ابدا.
- ثالثا منع الزيارات العائلية للضحية اذا كانت آثار التعذيب واضحة على جسده،
- رابعا منع زيارة المنظمات الحقوقية الدولية وخبراء الامم المتحدة لهذه البلدان، وبالتأكيد منعهم من دخول السجون ولقاء الضحايا.
- خامسا التقليل من وسائل التعذيب التي تترك آثارا واضحة على الجسد مثل الكهرباء والمخاريز والكي، والاستمرار في الاساليب الاخرى مثل الحرمان من النوم وإجبار الضحية على الوقوف اياما متواصلة والتهديد بالاغتصاب وسواها.
هذه التوجيهات ساهمت في استمرار الانتهاكات!
ولإضعاف دعاوى الضحايا حول معاناتهم، اوعز الخبراء الامنيون لهذه الدول باقامة تشكيلات «حقوقية» كخط دفاع «حقوقي» عن النظام، وتوفير كافة المستلزمات المادية لعملها وتمكينها من حضور المؤتمرات الدولية واستخدام لغة الحقوق على اوسع نطاق.
هذه المؤسسات اصبحت خطا دفاعيا يوفر مادة اعلامية للتشويش على افادات الضحايا. فاصبح لدى البحرين والسعودية والامارات هيئات للتظلم وهيئات وطنية لحقوق الانسان، واصبح استخدام لغة المعارضين وسيلة دفاعية اخرى تستخدمها هذه الانظمة وتساعد الدول الغربية الداعمة على تبرير استمرار دعمها الامني لها.
الحقيقة التي اصبحت واضحة للرأي العام ان المنظومة الحقوقية تراجعت كثيرا لدى المشروع الغربي. واصيبت هذه المنظومة بتصدع كبير بعد العام 2001 عندما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تمارس هذه الانتهاكات علنا.
فالرئيس جورج بوش الابن اعترف في مذكراته بانه أقر أسلوب «الايهام بالغرق» كوسيلة للحصول على المعلومات من المتهمين، بينما تعتبر المنظمات الحقوقية هذه الممارسة تعذيبا. وكشفت الوثائق التي كشفت في بريطانيا في العامين الاخيرين تواطؤ حكوماتها في الرحلات السرية التي حدثت بعد حوادث 11 سبتمبر والتي قامت بنقل المتهمين من بلد لآخر ضمن عمليات مطاردة عناصر تنظيم القاعدة.
وتقول الوثائق (ومنها تقريران صدرا مؤخرا عن لجنتي الامن والاستخبارات ان عملاء جهازي الاستخبارات البريطانية (ام آي 5 و ام آي 6) كانوا على علم بالرحلات السرية وجلسات التحقيق التي مورس فيها التعذيب.
وهناك ضغوط على الحكومة لاجراء تحقيق باشراف القضاء حول هذه المزاعم. فبريطانيا تفتخر دائما انها ضد ممارسة التعذيب، برغم نزعة بعض زعمائها للتحرر من القوانين الاوروبية التي تجبرها على احترام قوانين حقوق الانسان وعدم المساومة عليها.
وقد اصبح واضحا ان تعاطيها مع الدول الخليجية يتوسع ولم يعد منحصرا بالتعامل التجاري والسياسي فحسب، بل على اصبح هناك تعهد بريطاني بتوفير الدعم الامني كذلك.
ففي الاسبوع الماضي مثلا التقى المسؤولون البريطانيون عددا من خبراء الامن البحرينيين في خطوة تهدف لترويج مقولة يكذبها الناشطون الحقوقيون وضحايا التعذيب البحرانيون بان «هناك جدية رسمية لمنع الانتهاكات».
فقبل اسبوعين فحسب وقفت الناشطة البحرانية نجاح احمد يوسف امام القاضي بعد ان حكم عليها بالسجن ثلاثة اعوام قائلة: اخبرتك مرارا بما تعرضت له من تعذيب ومنه التحرش الجنسي، فلم تفعل شيئا، واليوم تسجنني ثلاثة اعوام.
البريطانيون يستطيعون ان يمارسوا دورا اكثر ايجابا في مجالي حماية حقوق الانسان وترويج الديمقراطية. وفي كليهما خير ليس للمنطقة فحسب، بل للامن والسلم الدوليين. تستطيع بريطانيا ان تستفيد من تجاربها في الخمسة عشر عاما الاخيرة، وهي تجارب اصبحت تلاحقها في الوقت الحاضر.
فبالاضافة للحرج الناجم عن صدور التقريرين المذكورين عن اللجنتين البرلمانيتين، ما تزال قضية الليبي عبد الحكيم بلحاج تلاحق عددا من المسؤولين البريطانيين السابقين.
فقد كسب قضية رفعها ضد الحكومة البريطانية بدعوى تسليمه لنظام القذافي وتعرضه للتعذيب بايدي جلاديه، واصبح عليها تقديم اعتذار وتعويضات عن معاناته. فمناضلو اليوم الذين يقمعون على ايدي انظمة مدعومة من بريطانيا سينتصرون غدا، وجلادو اليوم سيقفون امام القضاء ويكشفون خفايا عملهم ومدربيهم.
فالدنيا لا تستقيم على حال، والقوي قد يهزم والضعيف قد ينتصر. فالذين تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة في سجون عدن سيلاحقون جلاديهم، وضحايا التعذيب في مصر والبحرين والسعودية وفلسطين سينهضون يوما ململمين جراحهم ليلاحقوا اعداء الإنسانية.
? د. سعيد الشهابي كاتب بحريني
مشاركة: