د. عبدالله باحجاج
كيف يتم تحطيم قوة المواجهة المالية والأيديولوجية الخليجية؟
[ السبت, 28 أبريل, 2018 ]
من يتأمل في تسلسل انهيار دول المواجهة العسكرية العربية للكيان الصهيوني ، ويتعمق في مآلاتها وآفاقها المستقبلية، لن ينتابه أدنى شك فيما توصلنا اليه أخيرا من رؤى قد أصبحت لنا مؤكدة بعد أن تحفظنا على كشفها بصوت مرتفع حتى نقطع ما تبقى من شكوك سطحية باليقين العميق .
وعنوان المقال ” تحطيم دول المواجهة المالية والأيديولوجية الخليجية ” يحمل في ظاهره وباطنه إشارات واضحة ، ذات معانٍ مباشرة ، وهي أن الغرب ينظر إلى أن هناك في عالمنا العربي نوعين من دول المواجهة ، لن يتأتى للكيان المغتصب لفلسطين المحتلة أن ينأى بنفسه عن آية حروب عسكرية أو فكرية وحتى نفسية ، إلا اذا تم تفتيت دول عربية لانهيار قوتها العسكرية ، وأخرى تجريدها من قوتها المالية والأيديولوجية ، وهما دول مواجهة عسكرية، وأخرى مالية وإيديولوجية .
الأولى قد تم تحطيم معظمها ، وما تبقى منها ، شغل داخليا باحتقانات طويلة المدى ، والثاني في الطريق نفسه ، لكن من منظور مختلف من حيث آليات العمل والنتائج ، لأنها وراء أنظمة موالية ، لن يستغنى عنها ، لذلك لابد من إبطال مفاعيل مواجهتها المالية والأيديولوجية.
يأتي ذلك في إطار إستراتيجية صهيونية متكاملة تحارب كل قوة مادية أو فكرية أو أية نخبة من النخب .. يمكن أن تؤثر على امن واستقرار الكيان المغتصب ، سنثبت ذلك لاحقا في إطار تسلسل الاستهدافات ونجاحاته ، وسيتضح لنا عقبها الأدوار الحقيقية التي يلعبها صندوق النقد والبنك الدوليين كوسيلتين ضاغطتين لتحقيق تلك الإستراتيجية .
• ضمانة نهاية المواجهة العسكرية .
قد أصبح من المعلوم بالضرورة ، خروج سوريا وليبيا ومصر والعراق واليمن .. من هذا النوع من دول المواجهة ، فأوضاعها الآن ماثلة للعيان ، فبنيتها العسكرية – ما عدا مصر – قد انهارت تماما ، وقلبت أوضاع مجتمعاتها كلها رأسا على عقب ، ووجه سلاح الأخوة داخل الوطن الواحد لقتال داخلي داخلي ، وإشعال نيران الفتنة بين الجماعات والطوائف ، ومخاطر تقسيمها الآن أقرب من إعادة وحدتها بعد ان تدخلت الأطماع الإقليمية في جغرافيتها ، وأصبحت كل جماعة وطائفة تطمع في إقامة كيان سياسي جديد على أراضيها .
فهل تعد تلكم الدول الآن مصنفة في قائمة دول المواجهة العربية العسكرية للكيان المغتصب ؟ وهل لا يزال القلق الصهيوني منها قائما كما كان سابقا – لو نفسيا – ؟ بل العكس ، فقد تحول مفهوم العدو من الكيان الصهيوني الى إيران الشيعية ، وأصبحنا نرى تحالفات عربية صهيونية ضد إيران ، والأغرب ، ما قالته صحيفة حكومية خليجية قبيل القمة العربية الأخيرة في الظهران السعودية ، بأن السلام مع الكيان الصهيوني حتمية تاريخية لمواجهة الخطر الإيراني في المنطقة .
ومهما اختلفنا مع طهران ، ومع خطرها على الخليج العربي ، فإنه العدو التاريخي سيظل كذلك الى قيام الساعة اذا ما ظل محتلا لفلسطين بما فيها القدس الشريف ، هذا جزء أصيل من إيمان كل مسلم ، غير قابل للتغيير والتحويل مهما نجحت مؤامرات الصهيونية مع أنظمتنا العربية .
ولم يعد سرا مشاركة القوة الحربية الصهيونية في حروب تفتيت دول المواجهة العسكرية ، فمرض خفتر في ليبيا مثلا ، قد كشف للرأي العام العربي الدور الصهيوني في عمليات التفتيت ، وفي إعادة ترتيب أوضاعها لديمومة أمنها داخل محيطها الشرق الأوسط .
لن نتعمق كثيرا في هذا المحور ، فهو معلوم بالضرورة ، وتداعياته تزكي طرح الاستهداف الصهيوني لهذه الدول من خلال استراتيجية بدأت بإدخال المنطقة في فوضى عارمة غير مسبوقة ، تمكنت الصهيونية من خلالها التغلغل في شأن كل دولة على حدة ، فأصبحت مع الداخل على أنظمتها ، ونجحت معا بامتياز ، بوعي من الداخل أو اللاوعي ، الأهم هنا ان هذه الدول قد خرجت من عقدة الخوف الصهيونية ربما لعقود مقبلة .
ولم يتبق سوى إيران وحزب الله ، وجماعات المقاومة الفلسطينية ، وكل المؤشرات الان تشير الى ان المواجهة العسكرية المباشرة مع طهران قد أصبحت مسألة وقت ، فواشنطن والكيان قد صعدا تهديداتهما ضد إيران غداة اعلان الجيش الصهيوني بشكل واضح ولأول مرة ضرب اهداف إيرانية في سوريا، ولأول مرة أيضا تسقط فيها مقاتلة صهيونية منذ عام 1982، وهذه مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل وإيران – والقول هنا للمصادر – .
وباعترافات من كبار الصهاينة ، بما فيهم وزير استخباراتهم ان الوجود العسكري الإيراني يشكل خطرا حقيقيا لأمن الكيان ، من هنا فإن احتمالات المواجهة العسكرية على ارض سوريا أو مباشرة بين الجانبين له الكثير من المعطيات التي ترجحه خاصة بعد نجاح طهران إنتاج أسلحة متطورة طويلة المدى .
• استهداف الثروة الخليجية .. دون أنظمتها السياسية .
تعد الدول الخليجية العربية من دول المواجهة المالية والأيديولوجية – اسم على مسمى – وهي لا تقل ثقلا عن دول المواجهة العسكرية سالف الذكر ، بل تشكل جمعيها ملحمة انتصار تاريخية في حرب أكتوبر عام 1973، ولو فتحنا نافذة صغيرة على بعض مواقفها ، فستستدعي الذاكرة فورا ، خطوة المغفور له باذن الله ، الملك فيصل ، حظر تصدير النفط للدول الداعمة للكيان ، وتخفيض انتاج النفط بنحو (340) مليون برميل ، مما أدى الى رفع أسعار النفط من (3 الى 11 ) دولارا للبرميل ، بل وصل به الى التهديد باحراق ابار النفط والرجوع الى العيش في الخيام .
وكذلك مواقف الشيخ زايد عليه رضوان الله ورحمته ، فمن الجدير بالتذكير مقولته الشهيرة ” ان المعركة ليست في مصر وسوريا ، لكنها معركة الوجود العربي كله ، معركة أجيال كثيرة قادمة ، علينا أن نورثها العزة والكرامة ” وهذا الموقف يسجل للشيخ زايد بأحرف من نور ، فقد صدع به رغم ان الامارات لم تبلغ عامها الثاني ككيان سياسي جديد في المنطقة ، وتقول المصادر كذلك ، ان المغفور له باذن الله لما رأى انحياز وسائل الاعلام الغربية لحرب أكتوبر ، جمع (40) صحفيا من مختلف دور الصحف في أوروبا ،وتحمل كل نفقات سفرهم الى جبهات القتال العربية ، مما أتيح للعالم أن يسمع أخبار المعركة وتفاصيلها بلا تحيز – كما تقول المصادر – .
تلكم مواقف خالدة ، نستعديها الآن في لحظتنا التاريخية المفصلية ، لكي نؤكد حقيقة أن كل ما يقوم به صندوق النقد والبنك الدوليين منذ تفجر الأزمة النفطية الى الآن ، يكون وراءه هاجس واحد فقط ، وهو تفتيت القوة المالية والأيديولوجية الخليجية بعد دورها الكبير في حرب أكتوبر ، وقد جاءت عملية استهدافها في المرحلة الثانية بعد القضاء على دول المواجهة العسكرية ، هذه رؤية ربما نستفرد بها هنا بعد أن تجلت لنا مؤخرا ، وأيقنتها قناعاتنا السياسية .
• النتائج المتوخاة من تدخلات صندوق النقد والبنك الدوليين .
تدخل قوة الخليج المالية والأيديولوجية – الناعمة – ضمن استراتيجية الصهاينة ، وهي ناجحة حتى الان ، فخبراء الصندوق والبنك قد أصبحوا متغلغلين ومتحكمين في السياسات المالية والنقدية الخليجية ، فبعد ما أرعبوا دولنا بزلزال أسعار النفط والتلويح بنزوله إلى عشرة دولارات ، وهذا لم يحدث ، والآن يرفعون رعبا آخر للحفاظ على مستوى الضغط على الأنظمة الخليجية لكي ينفذوا أجندتهم ، وهو احتمالية عودة الأسعار الى الانخفاض مجددا بسبب النفط الحجري الصخري الأمريكي رغم ان الأسعار وصلت الان الى ( 74) دولارا ، وهي تشكل عودة الاطمئنان ، ورغم ذلك فقد نجحوا في إقناع أنظمتنا بتجاهل عائدات النفط ، والتركيز على الضرائب والرسوم لاستدامة موازناتها .
ولم يكتفوا بما نجحوا فيه من فرض ضرائب ورسوم ورفع الدعم وجمود المرتبات ، بل دفعت بهم جرأتهم الى اقتراح تخفيض المرتبات وفرض ضرائب جديدة وتسريح عدد كبير من الموظفين والتوقف عن التعليم المجاني والخدمات الصحية .. إلخ .
وهي بذلك تحقق هدفين رئيسيين هما ، استبعاد الثروة النفطية الخليجية من معادلة الصراع العربي الصهيوني ، وإغراق الطبقة المتوسطة في هذه الدول في هموم وهواجس اللقمة ، وإدماجها في طاحونة الإنتاج اليومية كطبقة العمال أو شغلها بالنقص المالي حتى لا ترفع رأسها ، لأنهم قد اكتشفوا دور الطبقة الوسطى في دول الخليج العربي في تأجيج الصراع مع الكيان المغتصب ، فهي تتصدر مشاهد المقاومة ضده بصورها المختلفة ، وهي الطبقة التي تحمل هم المبادئ والقيم والدفاع عنها ، وهي المناصرة للقضايا العربية والإسلامية ، والممولة لها ، وهي المحركة للشارع العربي .
لذلك ، تشكل الطبقة المتوسطة الخليجية ، هدفا عسكريا في إستراتيجية الصهاينة ، وقد أوكل بها صندوق النقد والبنك الدوليين استغلالا للازمة النفطية ، وهما افضل من ينفذ سياسة تفتيت وتدمير القوة المالية والديموغرافية في الخليج ، ونصائحه لدولنا سالف الذكر تقربنا كثيرا مما نطرحه هنا ، وتصور لنا مشهدا واضحة معالمه الان ، وهو تحويل تفكير وانشغالات الشعوب من شيء اسمه العدو الصهيوني إلى صناعة توترات داخلية عميقة حول لقمة العيش ، وهذا لن يتأتى لها الا عبر المساس بحقوق الطبقة المتوسطة ، وحصر مفهوم الطبقات في كل دولة خليجية في طبقتين فقط غنية وفقيرة ، عندها سيكون الصراع من القاعدة الى القمة، وستنشغل هذه الدول مع شعوبها بداخلها بصورة يومية ، ويصبح الكيان في أمن وأمان ، بل قد مع الشعوب ضد أنظمتها من خلال أبواب أخرى .
• تآكل الطبقة الوسطى في الخليج
يرى خبراء أن الطبقة الوسطى ، بدأت تضيق في صالح الطبقة الدُنيا، وذلك بعد أن زادت المتطلبات المعيشية وارتفعت الأسعار، وظهرت قضية البطالة والسكن والتضخم، وتجميد المرتبات ، وتحويل المئات من الموظفين سنويا الى التقاعد القانوني ، بمرتبات ضعيفة ، فأصبحت الفجوة بين طبقات المجتمع تتجه نحو التباين ، وقد يكون سافرا ، مما يعني أن نتائج توصيات صندوق النقد الدولي قد بدأت تظهر نتائجها سريعا ، حتى قبل تطبيق ضريبة القيمة المضافة ، فكيف لو طبقت دولنا النصائح الأخيرة للصندوق؟ .
وبذلك يستهدف الصندوق والبنك الدوليين تحويل الصراع بين الشعوب الخليجية مع الكيان الى صراعات وتوترات مع أنظمتها لدواعي ضمانة امن الكيان الصهيوني ، وكلما كانت الصراعات والتوترات الداخلية الداخلية عميقة وعنيفة ودائمة ، كان ذلك تعزيزا لضمانة الامن الصهيوني ، لذلك يتم العبث بالدين ، وجلد الموروث في فكر المعاصرين من العلماء ، وإسقاط الهيبة الدينية ، وفتح المجتمعات الخليجية على الحضارة الغربية من ثقافتها التي تشطر المجتمعات الخليجية ، كرؤية تعمق التوترات الداخلية من منظور إسلامي وعلماني / ليبيرالي – هو آت لا محالة – بعد أن تمتص الشعوب الصدمات السياسية الكبرى .
• حرب ضد الكفاءات العلمية .
كلما تعمقنا في إستراتيجية الصهاينة ، نجد شموليتها تمتد حتى كذلك للعلماء ليس العرب والمسلمين فقط وحتى الأجانب ، واغتيال علماء الألمان اثناء هروبهم الى مصر نموذجا ، وقد تصاعدت مؤخرا العمليات العسكرية والاستخباراتية الصهيونية ضد أية كفاءة بشرية يمكن أن تؤثر لو قيد أنملة على موازين القوى ضد الكيان ، ويمكن أن تذهب اليهم عصابة الاغتيالات الى أي مكان في العالم ، كما ذهبوا مؤخرا الى عالم الطاقة الفلسطيني فادي البطش في العاصمة الماليزية كوالالمبور، بحجة انه عضو في وحدة سرية جداً تعكف على تطوير السلاح النوعي لمصلحة حماس، وبحجة أن البطش يساعد الحركة على تطوير طائرات غير مأهولة”.
وملف اغتيال العلماء كبير ، ويحتاج لوحده لوقفة خاصة ، لكننا سنكتفي بما سبق ، للاستدلال به على إستراتيجية الحرب الشاملة للكيان الصهيوني ضد كل من ترى فيه خطرا آنيا أو مستقبلا على وجوديته أو حتى منظومة سيكولوجيته العدوانية ، فهي الآن بين الترهيب واستخدام القوة المفرطة من أجل إحداث تحولات تاريخية كبرى تقضي على شيء تعتقد انه يشكل مصدر خوف أو قلق نفسي لها حتى لو كان حجرا او شجرا أو ترابا أو نظاما أو نخبة ..الخ
ولو رأت القلق المستقبلي في وحدة دولة ، فخيار التفتيت أو إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية مطروحا ، ويمثله هنا صفقة القرن التي تأجلت الى عام 2019 او 2020 بسبب حرب الإطارات في غزة ، وانتظار لمرحلة تفتيت ما تبقى من دول أو جماعات المواجهة ، لكن ” يمكرون ، والله خير الماكرين ”
وبعد كل ما قدمناه ، نتساءل الى أي مدى يمكن من خلال هذا المقال رفع الوعي السياسي والاجتماعي بالإستراتيجية الصهيونية الشاملة ؟ وهل أصبحنا ننظر الى صندوق النقد والبنك الدوليين كأداة من أدوات تنفيذ هذه الإستراتيجية أم لا يزال لدينا شك ؟ ندعو المخلصين والصادقين هنا الى استجلاء هذا الوعي قبل فوات الأوان ، فعندما تنهار العلاقة بين الشعوب وأنظمتها ، فسيحتاج ذلك لعقود من الزمن لإصلاحها … إلخ؛ فهل وصلت الرسالة ؟؟.
نقلاً عن موقع "أثير"
مشاركة: