عمر العميسي
"المهرة.. الحضن الدافئ لليمنيين
[ الاربعاء, 04 مارس, 2020 ]
تواصل محافظة المهرة تمسكها بخط السلام والأمن والاستقرار على الرغم من المحاولات السعودية والاماراتية الرامية إلى اقلاق سكينتها وشق صفها المجتمعي المتماسك.
منذُ عامين اتابع في المواقع الالكترونية والقنوات الفضائية الحراك الشعبي ضد الوجود السعودي والذي أعطى نموذج رائع للمطالب السلمية على الرغم من الاستفزازات والانتهاكات التي طالت الكثير من أبناء المحافظة.
وعندما قررت أن اغادر البلاد سافرت في رحلة طويلة استمرت أيام عبرت خلالها عدد من المدن الرئيسية وفي كل مدينة أجد الشرخ الذي خلفته الحرب وحالة الدمار والفوضى ماعدا المهرة.
في رحلتي وجدت مدن تحكمها عدد من الجهات ومدن أخرى تهيمن عليها ميليشيات وخلال الطريق لم أرى في النقاط التي كانت توقفنا أي حضور للدولة اليمنية وفيها يرفع الجنود الذي يرتدون ملابس عسكرية اعلام تشطيريه وشعارات تكشف الكثير من التمزق الذي زرعه التحالف في أوساط شعب كان ينتمي لليمن الكبير وأصبح اليوم في وضع ممزق تحكمه ميليشيات وعصابات تسيرها الدراهم القادمة من الامارات.
وعندما دخلنا إلى محافظة "المهرة" ذات المساحة الطويلة والمناطق المترامية الأطراف وجدنا الجنود في النقاط يحملون راية اليمن عالية متمسكون بعادات اليمن ما قبل الحرب التي تحترم فيها حرمة العائلة المسافرة.
وفي مدينة الغيظة عاصمة المحافظة التي استقريت فيها لبضعة أيام بعد سفر مضني وطويل وجدت صنعاء أخرى لن تجد في أوساط سكانها العصبية والتمييز الذي أفرزته الحرب في معظم محافظات البلاد.
مواطنون كثير وجدتهم من شتى محافظات الجمهورية البعض شردتهم الحرب والبعض الآخر يبحث عن الرزق يتحدثون عن الروح الطيبة والأخلاق الكبيرة التي يتمتع بها أبناء المهرة.
وعلى الرغم من حالة التدهور الكبير في طرقاتها وشوارعها جراء الكوارث واهمال الجهات المختصة إلا انها تشهد نهضة عمرانية كبيرة من قبل التجار ورجال الاعمال من أبناء المهرة بشكل خاص واليمن بشكل عام.
وعند تنقلي مع سائقو المركبات الأجرة وأغلبهم فرو من جحيم الحرب، عبروا عن استياءهم ومخاوفهم الكبيرة من التحركات السعودية في المحافظة التي تهدد آخر مناطق اليمن الآمنة والمستقرة.
التقيت أيضا عدد من أبناء "المهرة" فوجدت فيهم روح اليمني الأصيل الذي يتمتع بأعراف الكرم والرجولة السائدة في أوساط القبيلة اليمنية والمجتمع المهري المتماسك الذي لم تصل إليه رائحة الطائفية النتنة والعنصرية المقيتة.
والكل يرى في التواجد السعودي بالمحافظة استفزاز ومحاولة رخيصة لجر المحافظة المستقرة والبعيدة عن الحرب والجماعات الإرهابية والمتطرفة إلى مربع الفوضى.
ويوجد فيها إشادة واسعة بالاعتصامات والفعاليات الشعبية التي لم تترك أي فرصة للسعودية والإمارات وأدواتهما بجر المحافظة إلى الاقتتال الداخلي واثارة الفتنة في أوساط أبنائها.
وقبل مغادرتي لمحافظة المهرة ذهبت إلى كورنيش المدينة متنفس تتجمع فيه العوائل في أوقات الاجازة على الرغم من تعطل العاب الأطفال وخرابها، وهناك لفت انتباهي الوجود الكبير لأبناء مدينة الحديدة الذين يقطنون في منطقة قريبة جدا من المكان يطلق عليها "محيفيف".
نازح من أبناء مديرية حيس جنوبي الحديدة حيث تدور المعارك اليوم أكد لي أنه نزح إلى مدينة الغيظة بعد أن دمرت الحرب منزله وقتلت عدد من أولاده واقاربه.
الرجل البالغ من العمر 40 سنة أفاد أنه رغم الحرقة والالم التى خلفتها الحرب وهجرته من منزله وسلبت منه فلذات كبده إلا أنه وجد بالمهرة وطن آخر فيه يمارس مهنة الصيد التي لطالما مارسها بالحديدة ومن خلالها يجلب المصاريف لأسرته.
غادرت المهرة وأنا أشعر ببعض الرضا وتمنيت لو كانت كل محافظات البلاد تنعم بحالة الأمن والاستقرار التي وجدتها فيها، ولكن مثل غيري أخشى عليها من سرطان تحالف السعودية والإمارات الخبيث الذي مزق محافظات ودمر مدن ومجتمعات.
مشاركة: